مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات
الحلقة الاولى
يبدأ مراسل شبكة فلسطين الاخبارية في رام الله بنشر يوميات الحصار البغيضالذي تعرض له في مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي كان محاصرا معه، حيثكان الموت يحوم على رؤوسهم في كل لحظة وهم متسلحون بعزيمة لا تلين وإرادةلا تخبو وإصرار الى المقاومة حتى النهاية، وإن كان مراسلنا اعزل من السلاحالا قلمه الذى اثبت انه أمضى من كل سلاح .. ومع الحلقة الاولى:
شاهد على الحصار – الحلقة الأولى
(لم أكن مقاتلا .. لكني كنت متسلحا بـ(قلم)
رشيد هلال – شبكة فلسطين الاخبارية
تجربة الموت مثيرة بكل تفاصيلها ، لكن أن تنتظر قدومه في كل لحظة فهذا ماكان الجديد في تجربتي ... تستحضرك كل التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي لميسبق لك أن تذكرتها .وكأن دوي الانفجارات يذهب بك بعيدا إلى عالم استحضرتهعنوة .
لم أكن مقاتلا حتى أفكر في كيفية التصويب نحو الهدف المتربص بي .. لكنيكنت متسلحا بقلم لم يتسن له بعد أن يخط ما يدور في هذه اللحظة المجنونةالتي لم أستوعبها بعد .. أدركت في أعماقي أن الموت قادم لا محالة .. وداعاعاهد .. وداعا سارة .. وداعا أحمد ورامي .. وداعا أيتها الزوجة وأيها الأمالعظيمة .. وداعا لكل تلك الذكريات التي عشتها معك أيتها الشقيق ماجد ..كلمات الوداع التي بعثها قلبي إلى أحبتي أفزعتني للحظة .. لكني استجمعت كلما لدى من قوة داخلية لأترجم ما تعلمته من شعبي لمواجهة الموت بشجاعة ..عندها سأحلق عاليا لأُبعث للحياة مجددا .
ما دفعني لولوج تجربة (الموت) هذه ليست الفضولية المتصلة بخصال الانسانكائنا من كان ، بل كان الواجب المهني الذي يقتضي وبالضرورة التواجد في قلبالحدث الساخن ، تغطية الحدث وأن لا تقتصر هذه التغطية على مجرد محادثةهاتفية أو مجرد رسالة ، بل نقلا حقيقيا وعن قرب لما يجري من خلال معايشته .
كان هناك إحساس مسبق لدي بأن الحكومة الإسرائيلية تحضر لضربة شاملةللفلسطينيين يكون هدفها الأساس الرئيس ياسر عرفات وقيادته هذه المرة ،لكنالرياح لا تسير بما تشتهي السفن ، فكانت الهواتف معطلة في مقر الرئيسعرفات ، ووضعت قوات الاحتلال شبكة تشويش على الهاتف النقال (الجوالالفلسطيني) الأمر الذي منعني من التواصل مع عملي ، واستعضت عن نقل الخبربكتابة تجربة الحصار اليومية ، لأكون شاهدا حيا على هذه التجربة الفريدة .
ليلة ما قبل الاجتياح
التوتر والترقب يسودان الشوارع في رام الله والبيرة .. وازدحام في الأسواق، وإقبال شديد على شراء المواد التموينية ، والجميع يتحدث عن ضربةإسرائيلية ، فقد كانت التصريحات الإسرائيلية المتتالية والصادرة عنالمسئولين الإسرائيليين وخاصة من رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون تتوعدبتوجيه ضربة ماحقة للفلسطينيين ردا على العملية الأستشهادية التي نفذتهاكتائب عز الدين القسام في نتانيا وأسفرت عن مقتل أكثر من (28) إسرائيليا .
هذه التهديدات ألقت بظلال ثقيلة على الفلسطينيين في كل مكان ، وعلى الفوركانت مقار قوات الأمن العام الفلسطيني مستنفرة حيث قامت بعملية إخلاءتحسبا من غارت يشنها الطيران الإسرائيلي .
الفلسطينيون وبحدسهم الخاص توقعوا أن تكون الضربة الإسرائيلية موجهته إلىرام الله والبيرة العاصمة المؤقتة للفلسطينيين بهد ف الإطاحة بالحلمالفلسطيني .
جميع المواقع تم إخلاؤها باستثناء مقر الرئيس ياسر عرفات الذي ظل فيه معحرسه الخاص ، ليواجهوا فيما بعد أزمة جديدة كغيرها من الأزمات التي عاشهاعرفات في بيروت وغيرها من المواقع .
مساء الخميس 28 / 3 وبعد مكالمة ساخنة جرت بين الرئيس عرفات ووزيرالخارجية الأميركي كولن باول ، عقد الرئيس عرفات مؤتمرا صحفيا على عجلأعلن خلاله مجددا استعداده للعمل على وقف إطلاق النار مع الجانبالإسرائيلي ، وتحدث في المؤتمر مطولا عن تمسكه ببنود تفاهمات تينت الأمنيةبترابطها مع توصيات ميتشل والأفق السياسي ، وكرر رفضه الخروج عن بنود تينتأو الاستسلام للطروحات الإسرائيلية .
كان واضحا أن إعلان الرئيس عرفات وبالصيغة التي طرحها لوقف إطلاق النار هولامتصاص رد الفعل الإسرائيلية ، إلا أن تصريحات الانتقام الإسرائيليةتواصلت ولم تعر إنتباها لاعلان الرئيس عرفات هذا.
رجعت إلى المنزل بعد المؤتمر ، وبدأت أستعد لما قد تأتي به الساعات القادمة .
فجر الجمعة 29 / 3
كانت الأحوال الجوية عاصفة ، فالأمطار تنهمر بغزارة والضباب الكثيف يلفالمدينتين ، وهدوء مشوب بالحذر لا يبدده سوي نباح الكلاب الضاله . تناولتالهاتف لتحدث مع أبو (يمن) مدير غرفة المخابرات العامة في رام الله لأعرفعن تحركات قوات الاحتلال والحشود الجديدة على محاور مدينتين رام اللهوالبيرة ، أبلغني عن حشود جديدة وصلت بالمئات للدبابات الإسرائيلية .
كان تقدير القيادة العسكرية الفلسطينية أن تتم اجتياح المدينتين من محورالأرسال في المدخل الشمالي لمدينة رام الله لمحاصرة نقر الرئيس عرفات ،وبالفعل كانت التعليمات الصادرة من قيادة الأمن العام الفلسطيني لمختلفالوحدات القتالية بتوزيع قواها في مختلف المحاور ، وشملت التعليمات أيضاالتمركز في عدد من البنايات المرتفعة لشل حركة تقدم الدبابات الإسرائيلية .
في الساعة الثالثة والنصف فجرا بدأ هدير الدبابات الإسرائيلية يسمع عن بعدفي أكثر من محور ، وأخذ هذا الهدير يزداد وضوحا مع كل دقيقة تمر . سارعتفي الخروج من المنزل للتوجه إلى مقر الرئاسة .
الحالة الجوية العاصفة لم تمنعني من زيادة عداد السرعة إلى أقصى حد ممكن ،فالوضع لا يسمح لي بالتباطؤ ، كنت وسط الشارع الرئيسي المؤدي مقر الرئيسورأيت القذائف المدفعية الإسرائيلية تتطاير من أمام ناظري ، وفي الطريقبدأت تظهر حشود قوات الأمن العام الفلسطيني التي كانت تستعد لخوض غمارمعركة جديدة من المواجهة .
أمام بوابة مقر الرئيس عرفات توقفت تعرف على هويتي أحد حراس الرئيس ، وأدخلني على عجل للمقر الذي كان يعج بالحركة أيضا .
دقائق قليلة وأذا بمئات الدبابات تتقدم من محوري الهاشمية جنوب البيرة ،وبتونيا مرورا بحي عين مصباح غرب رام الله . وسبق تقدم الدبابات دخولوحدات خاصة إسرائيلية لاكتشاف الطريق أمام عملية التوغل . ومع ذلكاعترضتها قوات من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية اشتبكت معها في حي عينمصباح ، لكن المعلومات التي وصلت إلى مقر الرئيس عبر جهاز اللاسلكي منقوات الأمن الوطني أن الاشتباك كان مع قوات صديقة الأمر الذي شوش وحداداتالاستخبارات العسكرية الفلسطينية .
وأمام التقدير الخاطئ والقاصر عن وجهة التوغل الإسرائيلي ، استدعت القيادةعلى عجل القوات التي كانت ترابط في ميدان المنارة وسط رام الله وتلكالقريبة من مقر الرئاسة للمرابطة في محيط الرئاسة ، حيث بدأت الدباباتالإسرائيلية بالاقتراب متجنبة المحاور الرئيسة التي توصل إلى المدينتين .
وما أن اقتربت الساعة من الخامسة والنصف صباحا حتى بدأت فوهات المدافعبقصف بوابات الرئاسة والأسوار المحيطة بالمقر . كان حرس الرئيس الخاصوقوات أمن الرئاسة الـ(17) خلف الأسوار يستبسلون في الدفاع لصد التقدمالإسرائيلي نحو المقر .
إلا أن المعركة غير المتكافئة دفعت بالجميع للتراجع أمام فوهات المدافع الإسرائيلية .
في تلك الأثناء تمكنت دبابات الاحتلال من هدم الأسوار الغربية للمقر ،اخترقت مبني الاستخبارات الذي يقع في مقدمة المدخل الغربي للرئاسة ، وفيالوقت ذاته بدأت هذه الدبابات بهدم البوابة الشرقية . وتمكنت من دخول مبنىالمخابرات العامة الذي يقع في مقدمة البوابة الشرقية وقصفته بصورة عنيفةوكأنها تحقق انتقاما خاصا لهذا المبني ومن يتواجد فيه .
عندما اقتربت قوات الاحتلال من مبنى المخابرات العامة نزل الرئيس عرفات منمكتبه في الطابق الثالث إلى الطابق الثاني واختار إحدى الغرف مقرا له ،ولتكون أيضا غرفة العمليات التي تدار فيها معركة الوجود الفلسطيني .
في تلك الأثناء كانت البوابة الداخلية للمقر تشهد معركة شرسة بين حرسالرئيس وقوات أمن الرئاسة الـ(17) وبين قوات الاحتلال المدعومة بالدباباتوالمجنزرات ، إلا أن المتاريس المصفحة التي وضعها حرس الرئيس في مقدمةالبوابة لم تصمد ، حيث استشهد في خلال الدقائق الأولى من الأشتباك مع قواتالاحتلال الضابط شاهر أبو شرار وأصيب أكثر من 18 جنديا وضابطا من حرسالرئيس الخاص .
أمام حجم الهجوم الإسرائيلي بدأ حرس الرئيس ومغاوير قوات أمن الرئاسةالـ(17) بالانتشار وأخذ مواقع جديدة لهم داخل مقر الرئاسة والذي هو مؤسسعلى شكل مستطيل تتواجد فيه مقار الأمن الوطني والمخابرات العامة وقوات أمنالرئاسة الـ(17) ومقر المحافظ بالإضافة إلى مقر الرئيس عرفات بشكل متصل .
أمام القصف المتواصل استطاعت قوات الاحتلال من إحداث ثغرات في مبنيالمخابرات حيث تمكنت من النفاذ إلى داخل مبني المخابرات ، وأصبحت الجهةالشرقية لمبنى الرئيس عرفات محتلة تماما ، ولا يفصله عن غرف الرئيس سويحائط ، بدأت التهديدات تزداد والوضع أكثر خطورة مع محاولات التقدم لقواتالاحتلال من جهة مقر المحافظة التي يتواجد بداخلها مغاوير قوات الـ(17)الذين شكلوا رأس حربه في معركة الدفاع عن حياة الرئيس عرفات ، المعركةبدأت تشتد وتتصاعد وجها لوجه ومن غرفة لأخرى ، فجنود الاحتلال أخذوايتواجدون في غرف قوات الأمن الوطني وبدأوا بالوصول والاقتراب إلى مقرالمحافظة عبر البوابة الرئيسة ومن الفتحات الداخلية للغرف .
في هذه اللحظة قرأ جميع من في المقر الفاتحة وتلو الشهادة ... الرصاص بدأينهمر كالمطر باتجاه قوات الاحتلال من كافة المحاور لصدهم من التقدم أكثر. وبالفعل بعد أكثر من ساعة ونصف من المواجهة داخل غرف المحافظة استطاعالمغاوير من صد جنود الاحتلال .
كان خوف المقاتلين ينبع أساسا من وجود باب خلفي يربط بين مقر الرئيس ومقرالمحافظ ، ويمكن لجنود الاحتلال السيطرة عليه وبالتالي تضيق مساحة مقرالرئيس .
صعدت إلى الطابق الثاني حيث يتواجد الرئيس عرفات الذي لم يغمض له جفن طوالالليلة الأولي من الاقتحام والحصار . فالقذائف المدفعية تتساقط على مقرهوزخات الرصاص تنهمر من كل صوب وحدب
يبدأ مراسل شبكة فلسطين الاخبارية في رام الله بنشر يوميات الحصار البغيضالذي تعرض له في مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي كان محاصرا معه، حيثكان الموت يحوم على رؤوسهم في كل لحظة وهم متسلحون بعزيمة لا تلين وإرادةلا تخبو وإصرار الى المقاومة حتى النهاية، وإن كان مراسلنا اعزل من السلاحالا قلمه الذى اثبت انه أمضى من كل سلاح .. ومع الحلقة الاولى:
شاهد على الحصار – الحلقة الأولى
(لم أكن مقاتلا .. لكني كنت متسلحا بـ(قلم)
رشيد هلال – شبكة فلسطين الاخبارية
تجربة الموت مثيرة بكل تفاصيلها ، لكن أن تنتظر قدومه في كل لحظة فهذا ماكان الجديد في تجربتي ... تستحضرك كل التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي لميسبق لك أن تذكرتها .وكأن دوي الانفجارات يذهب بك بعيدا إلى عالم استحضرتهعنوة .
لم أكن مقاتلا حتى أفكر في كيفية التصويب نحو الهدف المتربص بي .. لكنيكنت متسلحا بقلم لم يتسن له بعد أن يخط ما يدور في هذه اللحظة المجنونةالتي لم أستوعبها بعد .. أدركت في أعماقي أن الموت قادم لا محالة .. وداعاعاهد .. وداعا سارة .. وداعا أحمد ورامي .. وداعا أيتها الزوجة وأيها الأمالعظيمة .. وداعا لكل تلك الذكريات التي عشتها معك أيتها الشقيق ماجد ..كلمات الوداع التي بعثها قلبي إلى أحبتي أفزعتني للحظة .. لكني استجمعت كلما لدى من قوة داخلية لأترجم ما تعلمته من شعبي لمواجهة الموت بشجاعة ..عندها سأحلق عاليا لأُبعث للحياة مجددا .
ما دفعني لولوج تجربة (الموت) هذه ليست الفضولية المتصلة بخصال الانسانكائنا من كان ، بل كان الواجب المهني الذي يقتضي وبالضرورة التواجد في قلبالحدث الساخن ، تغطية الحدث وأن لا تقتصر هذه التغطية على مجرد محادثةهاتفية أو مجرد رسالة ، بل نقلا حقيقيا وعن قرب لما يجري من خلال معايشته .
كان هناك إحساس مسبق لدي بأن الحكومة الإسرائيلية تحضر لضربة شاملةللفلسطينيين يكون هدفها الأساس الرئيس ياسر عرفات وقيادته هذه المرة ،لكنالرياح لا تسير بما تشتهي السفن ، فكانت الهواتف معطلة في مقر الرئيسعرفات ، ووضعت قوات الاحتلال شبكة تشويش على الهاتف النقال (الجوالالفلسطيني) الأمر الذي منعني من التواصل مع عملي ، واستعضت عن نقل الخبربكتابة تجربة الحصار اليومية ، لأكون شاهدا حيا على هذه التجربة الفريدة .
ليلة ما قبل الاجتياح
التوتر والترقب يسودان الشوارع في رام الله والبيرة .. وازدحام في الأسواق، وإقبال شديد على شراء المواد التموينية ، والجميع يتحدث عن ضربةإسرائيلية ، فقد كانت التصريحات الإسرائيلية المتتالية والصادرة عنالمسئولين الإسرائيليين وخاصة من رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون تتوعدبتوجيه ضربة ماحقة للفلسطينيين ردا على العملية الأستشهادية التي نفذتهاكتائب عز الدين القسام في نتانيا وأسفرت عن مقتل أكثر من (28) إسرائيليا .
هذه التهديدات ألقت بظلال ثقيلة على الفلسطينيين في كل مكان ، وعلى الفوركانت مقار قوات الأمن العام الفلسطيني مستنفرة حيث قامت بعملية إخلاءتحسبا من غارت يشنها الطيران الإسرائيلي .
الفلسطينيون وبحدسهم الخاص توقعوا أن تكون الضربة الإسرائيلية موجهته إلىرام الله والبيرة العاصمة المؤقتة للفلسطينيين بهد ف الإطاحة بالحلمالفلسطيني .
جميع المواقع تم إخلاؤها باستثناء مقر الرئيس ياسر عرفات الذي ظل فيه معحرسه الخاص ، ليواجهوا فيما بعد أزمة جديدة كغيرها من الأزمات التي عاشهاعرفات في بيروت وغيرها من المواقع .
مساء الخميس 28 / 3 وبعد مكالمة ساخنة جرت بين الرئيس عرفات ووزيرالخارجية الأميركي كولن باول ، عقد الرئيس عرفات مؤتمرا صحفيا على عجلأعلن خلاله مجددا استعداده للعمل على وقف إطلاق النار مع الجانبالإسرائيلي ، وتحدث في المؤتمر مطولا عن تمسكه ببنود تفاهمات تينت الأمنيةبترابطها مع توصيات ميتشل والأفق السياسي ، وكرر رفضه الخروج عن بنود تينتأو الاستسلام للطروحات الإسرائيلية .
كان واضحا أن إعلان الرئيس عرفات وبالصيغة التي طرحها لوقف إطلاق النار هولامتصاص رد الفعل الإسرائيلية ، إلا أن تصريحات الانتقام الإسرائيليةتواصلت ولم تعر إنتباها لاعلان الرئيس عرفات هذا.
رجعت إلى المنزل بعد المؤتمر ، وبدأت أستعد لما قد تأتي به الساعات القادمة .
فجر الجمعة 29 / 3
كانت الأحوال الجوية عاصفة ، فالأمطار تنهمر بغزارة والضباب الكثيف يلفالمدينتين ، وهدوء مشوب بالحذر لا يبدده سوي نباح الكلاب الضاله . تناولتالهاتف لتحدث مع أبو (يمن) مدير غرفة المخابرات العامة في رام الله لأعرفعن تحركات قوات الاحتلال والحشود الجديدة على محاور مدينتين رام اللهوالبيرة ، أبلغني عن حشود جديدة وصلت بالمئات للدبابات الإسرائيلية .
كان تقدير القيادة العسكرية الفلسطينية أن تتم اجتياح المدينتين من محورالأرسال في المدخل الشمالي لمدينة رام الله لمحاصرة نقر الرئيس عرفات ،وبالفعل كانت التعليمات الصادرة من قيادة الأمن العام الفلسطيني لمختلفالوحدات القتالية بتوزيع قواها في مختلف المحاور ، وشملت التعليمات أيضاالتمركز في عدد من البنايات المرتفعة لشل حركة تقدم الدبابات الإسرائيلية .
في الساعة الثالثة والنصف فجرا بدأ هدير الدبابات الإسرائيلية يسمع عن بعدفي أكثر من محور ، وأخذ هذا الهدير يزداد وضوحا مع كل دقيقة تمر . سارعتفي الخروج من المنزل للتوجه إلى مقر الرئاسة .
الحالة الجوية العاصفة لم تمنعني من زيادة عداد السرعة إلى أقصى حد ممكن ،فالوضع لا يسمح لي بالتباطؤ ، كنت وسط الشارع الرئيسي المؤدي مقر الرئيسورأيت القذائف المدفعية الإسرائيلية تتطاير من أمام ناظري ، وفي الطريقبدأت تظهر حشود قوات الأمن العام الفلسطيني التي كانت تستعد لخوض غمارمعركة جديدة من المواجهة .
أمام بوابة مقر الرئيس عرفات توقفت تعرف على هويتي أحد حراس الرئيس ، وأدخلني على عجل للمقر الذي كان يعج بالحركة أيضا .
دقائق قليلة وأذا بمئات الدبابات تتقدم من محوري الهاشمية جنوب البيرة ،وبتونيا مرورا بحي عين مصباح غرب رام الله . وسبق تقدم الدبابات دخولوحدات خاصة إسرائيلية لاكتشاف الطريق أمام عملية التوغل . ومع ذلكاعترضتها قوات من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية اشتبكت معها في حي عينمصباح ، لكن المعلومات التي وصلت إلى مقر الرئيس عبر جهاز اللاسلكي منقوات الأمن الوطني أن الاشتباك كان مع قوات صديقة الأمر الذي شوش وحداداتالاستخبارات العسكرية الفلسطينية .
وأمام التقدير الخاطئ والقاصر عن وجهة التوغل الإسرائيلي ، استدعت القيادةعلى عجل القوات التي كانت ترابط في ميدان المنارة وسط رام الله وتلكالقريبة من مقر الرئاسة للمرابطة في محيط الرئاسة ، حيث بدأت الدباباتالإسرائيلية بالاقتراب متجنبة المحاور الرئيسة التي توصل إلى المدينتين .
وما أن اقتربت الساعة من الخامسة والنصف صباحا حتى بدأت فوهات المدافعبقصف بوابات الرئاسة والأسوار المحيطة بالمقر . كان حرس الرئيس الخاصوقوات أمن الرئاسة الـ(17) خلف الأسوار يستبسلون في الدفاع لصد التقدمالإسرائيلي نحو المقر .
إلا أن المعركة غير المتكافئة دفعت بالجميع للتراجع أمام فوهات المدافع الإسرائيلية .
في تلك الأثناء تمكنت دبابات الاحتلال من هدم الأسوار الغربية للمقر ،اخترقت مبني الاستخبارات الذي يقع في مقدمة المدخل الغربي للرئاسة ، وفيالوقت ذاته بدأت هذه الدبابات بهدم البوابة الشرقية . وتمكنت من دخول مبنىالمخابرات العامة الذي يقع في مقدمة البوابة الشرقية وقصفته بصورة عنيفةوكأنها تحقق انتقاما خاصا لهذا المبني ومن يتواجد فيه .
عندما اقتربت قوات الاحتلال من مبنى المخابرات العامة نزل الرئيس عرفات منمكتبه في الطابق الثالث إلى الطابق الثاني واختار إحدى الغرف مقرا له ،ولتكون أيضا غرفة العمليات التي تدار فيها معركة الوجود الفلسطيني .
في تلك الأثناء كانت البوابة الداخلية للمقر تشهد معركة شرسة بين حرسالرئيس وقوات أمن الرئاسة الـ(17) وبين قوات الاحتلال المدعومة بالدباباتوالمجنزرات ، إلا أن المتاريس المصفحة التي وضعها حرس الرئيس في مقدمةالبوابة لم تصمد ، حيث استشهد في خلال الدقائق الأولى من الأشتباك مع قواتالاحتلال الضابط شاهر أبو شرار وأصيب أكثر من 18 جنديا وضابطا من حرسالرئيس الخاص .
أمام حجم الهجوم الإسرائيلي بدأ حرس الرئيس ومغاوير قوات أمن الرئاسةالـ(17) بالانتشار وأخذ مواقع جديدة لهم داخل مقر الرئاسة والذي هو مؤسسعلى شكل مستطيل تتواجد فيه مقار الأمن الوطني والمخابرات العامة وقوات أمنالرئاسة الـ(17) ومقر المحافظ بالإضافة إلى مقر الرئيس عرفات بشكل متصل .
أمام القصف المتواصل استطاعت قوات الاحتلال من إحداث ثغرات في مبنيالمخابرات حيث تمكنت من النفاذ إلى داخل مبني المخابرات ، وأصبحت الجهةالشرقية لمبنى الرئيس عرفات محتلة تماما ، ولا يفصله عن غرف الرئيس سويحائط ، بدأت التهديدات تزداد والوضع أكثر خطورة مع محاولات التقدم لقواتالاحتلال من جهة مقر المحافظة التي يتواجد بداخلها مغاوير قوات الـ(17)الذين شكلوا رأس حربه في معركة الدفاع عن حياة الرئيس عرفات ، المعركةبدأت تشتد وتتصاعد وجها لوجه ومن غرفة لأخرى ، فجنود الاحتلال أخذوايتواجدون في غرف قوات الأمن الوطني وبدأوا بالوصول والاقتراب إلى مقرالمحافظة عبر البوابة الرئيسة ومن الفتحات الداخلية للغرف .
في هذه اللحظة قرأ جميع من في المقر الفاتحة وتلو الشهادة ... الرصاص بدأينهمر كالمطر باتجاه قوات الاحتلال من كافة المحاور لصدهم من التقدم أكثر. وبالفعل بعد أكثر من ساعة ونصف من المواجهة داخل غرف المحافظة استطاعالمغاوير من صد جنود الاحتلال .
كان خوف المقاتلين ينبع أساسا من وجود باب خلفي يربط بين مقر الرئيس ومقرالمحافظ ، ويمكن لجنود الاحتلال السيطرة عليه وبالتالي تضيق مساحة مقرالرئيس .
صعدت إلى الطابق الثاني حيث يتواجد الرئيس عرفات الذي لم يغمض له جفن طوالالليلة الأولي من الاقتحام والحصار . فالقذائف المدفعية تتساقط على مقرهوزخات الرصاص تنهمر من كل صوب وحدب
رد: مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
البرنس- مراقب عام
- المساهمات : 68
تاريخ التسجيل : 06/10/2010
العمر : 32
الموقع : كتائب شهداء الاقصى
مواضيع مماثلة
» مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات
» ملف عن حياة الشهيد الراحل ياسر عرفات
» ياسر عرفات عند كل باب
» موضوع عن ياسر عرفات
» نبذة عن حياة ياسر عرفات
» ملف عن حياة الشهيد الراحل ياسر عرفات
» ياسر عرفات عند كل باب
» موضوع عن ياسر عرفات
» نبذة عن حياة ياسر عرفات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى