منتديات لحظة ضياع


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات لحظة ضياع
منتديات لحظة ضياع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

اذهب الى الأسفل

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات Empty مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أكتوبر 06, 2010 1:29 pm

الحلقة الاولى

يبدأ مراسل شبكة فلسطين الاخبارية في رام الله بنشر يوميات الحصار البغيضالذي تعرض له في مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي كان محاصرا معه، حيثكان الموت يحوم على رؤوسهم في كل لحظة وهم متسلحون بعزيمة لا تلين وإرادةلا تخبو وإصرار الى المقاومة حتى النهاية، وإن كان مراسلنا اعزل من السلاحالا قلمه الذى اثبت انه أمضى من كل سلاح .. ومع الحلقة الاولى:
شاهد على الحصار – الحلقة الأولى

(لم أكن مقاتلا .. لكني كنت متسلحا بـ(قلم)

رشيد هلال – شبكة فلسطين الاخبارية

تجربة الموت مثيرة بكل تفاصيلها ، لكن أن تنتظر قدومه في كل لحظة فهذا ماكان الجديد في تجربتي ... تستحضرك كل التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي لميسبق لك أن تذكرتها .وكأن دوي الانفجارات يذهب بك بعيدا إلى عالم استحضرتهعنوة .

لم أكن مقاتلا حتى أفكر في كيفية التصويب نحو الهدف المتربص بي .. لكنيكنت متسلحا بقلم لم يتسن له بعد أن يخط ما يدور في هذه اللحظة المجنونةالتي لم أستوعبها بعد .. أدركت في أعماقي أن الموت قادم لا محالة .. وداعاعاهد .. وداعا سارة .. وداعا أحمد ورامي .. وداعا أيتها الزوجة وأيها الأمالعظيمة .. وداعا لكل تلك الذكريات التي عشتها معك أيتها الشقيق ماجد ..كلمات الوداع التي بعثها قلبي إلى أحبتي أفزعتني للحظة .. لكني استجمعت كلما لدى من قوة داخلية لأترجم ما تعلمته من شعبي لمواجهة الموت بشجاعة ..عندها سأحلق عاليا لأُبعث للحياة مجددا .

ما دفعني لولوج تجربة (الموت) هذه ليست الفضولية المتصلة بخصال الانسانكائنا من كان ، بل كان الواجب المهني الذي يقتضي وبالضرورة التواجد في قلبالحدث الساخن ، تغطية الحدث وأن لا تقتصر هذه التغطية على مجرد محادثةهاتفية أو مجرد رسالة ، بل نقلا حقيقيا وعن قرب لما يجري من خلال معايشته .

كان هناك إحساس مسبق لدي بأن الحكومة الإسرائيلية تحضر لضربة شاملةللفلسطينيين يكون هدفها الأساس الرئيس ياسر عرفات وقيادته هذه المرة ،لكنالرياح لا تسير بما تشتهي السفن ، فكانت الهواتف معطلة في مقر الرئيسعرفات ، ووضعت قوات الاحتلال شبكة تشويش على الهاتف النقال (الجوالالفلسطيني) الأمر الذي منعني من التواصل مع عملي ، واستعضت عن نقل الخبربكتابة تجربة الحصار اليومية ، لأكون شاهدا حيا على هذه التجربة الفريدة .

ليلة ما قبل الاجتياح

التوتر والترقب يسودان الشوارع في رام الله والبيرة .. وازدحام في الأسواق، وإقبال شديد على شراء المواد التموينية ، والجميع يتحدث عن ضربةإسرائيلية ، فقد كانت التصريحات الإسرائيلية المتتالية والصادرة عنالمسئولين الإسرائيليين وخاصة من رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون تتوعدبتوجيه ضربة ماحقة للفلسطينيين ردا على العملية الأستشهادية التي نفذتهاكتائب عز الدين القسام في نتانيا وأسفرت عن مقتل أكثر من (28) إسرائيليا .

هذه التهديدات ألقت بظلال ثقيلة على الفلسطينيين في كل مكان ، وعلى الفوركانت مقار قوات الأمن العام الفلسطيني مستنفرة حيث قامت بعملية إخلاءتحسبا من غارت يشنها الطيران الإسرائيلي .

الفلسطينيون وبحدسهم الخاص توقعوا أن تكون الضربة الإسرائيلية موجهته إلىرام الله والبيرة العاصمة المؤقتة للفلسطينيين بهد ف الإطاحة بالحلمالفلسطيني .

جميع المواقع تم إخلاؤها باستثناء مقر الرئيس ياسر عرفات الذي ظل فيه معحرسه الخاص ، ليواجهوا فيما بعد أزمة جديدة كغيرها من الأزمات التي عاشهاعرفات في بيروت وغيرها من المواقع .

مساء الخميس 28 / 3 وبعد مكالمة ساخنة جرت بين الرئيس عرفات ووزيرالخارجية الأميركي كولن باول ، عقد الرئيس عرفات مؤتمرا صحفيا على عجلأعلن خلاله مجددا استعداده للعمل على وقف إطلاق النار مع الجانبالإسرائيلي ، وتحدث في المؤتمر مطولا عن تمسكه ببنود تفاهمات تينت الأمنيةبترابطها مع توصيات ميتشل والأفق السياسي ، وكرر رفضه الخروج عن بنود تينتأو الاستسلام للطروحات الإسرائيلية .

كان واضحا أن إعلان الرئيس عرفات وبالصيغة التي طرحها لوقف إطلاق النار هولامتصاص رد الفعل الإسرائيلية ، إلا أن تصريحات الانتقام الإسرائيليةتواصلت ولم تعر إنتباها لاعلان الرئيس عرفات هذا.

رجعت إلى المنزل بعد المؤتمر ، وبدأت أستعد لما قد تأتي به الساعات القادمة .

فجر الجمعة 29 / 3

كانت الأحوال الجوية عاصفة ، فالأمطار تنهمر بغزارة والضباب الكثيف يلفالمدينتين ، وهدوء مشوب بالحذر لا يبدده سوي نباح الكلاب الضاله . تناولتالهاتف لتحدث مع أبو (يمن) مدير غرفة المخابرات العامة في رام الله لأعرفعن تحركات قوات الاحتلال والحشود الجديدة على محاور مدينتين رام اللهوالبيرة ، أبلغني عن حشود جديدة وصلت بالمئات للدبابات الإسرائيلية .

كان تقدير القيادة العسكرية الفلسطينية أن تتم اجتياح المدينتين من محورالأرسال في المدخل الشمالي لمدينة رام الله لمحاصرة نقر الرئيس عرفات ،وبالفعل كانت التعليمات الصادرة من قيادة الأمن العام الفلسطيني لمختلفالوحدات القتالية بتوزيع قواها في مختلف المحاور ، وشملت التعليمات أيضاالتمركز في عدد من البنايات المرتفعة لشل حركة تقدم الدبابات الإسرائيلية .

في الساعة الثالثة والنصف فجرا بدأ هدير الدبابات الإسرائيلية يسمع عن بعدفي أكثر من محور ، وأخذ هذا الهدير يزداد وضوحا مع كل دقيقة تمر . سارعتفي الخروج من المنزل للتوجه إلى مقر الرئاسة .

الحالة الجوية العاصفة لم تمنعني من زيادة عداد السرعة إلى أقصى حد ممكن ،فالوضع لا يسمح لي بالتباطؤ ، كنت وسط الشارع الرئيسي المؤدي مقر الرئيسورأيت القذائف المدفعية الإسرائيلية تتطاير من أمام ناظري ، وفي الطريقبدأت تظهر حشود قوات الأمن العام الفلسطيني التي كانت تستعد لخوض غمارمعركة جديدة من المواجهة .

أمام بوابة مقر الرئيس عرفات توقفت تعرف على هويتي أحد حراس الرئيس ، وأدخلني على عجل للمقر الذي كان يعج بالحركة أيضا .

دقائق قليلة وأذا بمئات الدبابات تتقدم من محوري الهاشمية جنوب البيرة ،وبتونيا مرورا بحي عين مصباح غرب رام الله . وسبق تقدم الدبابات دخولوحدات خاصة إسرائيلية لاكتشاف الطريق أمام عملية التوغل . ومع ذلكاعترضتها قوات من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية اشتبكت معها في حي عينمصباح ، لكن المعلومات التي وصلت إلى مقر الرئيس عبر جهاز اللاسلكي منقوات الأمن الوطني أن الاشتباك كان مع قوات صديقة الأمر الذي شوش وحداداتالاستخبارات العسكرية الفلسطينية .
وأمام التقدير الخاطئ والقاصر عن وجهة التوغل الإسرائيلي ، استدعت القيادةعلى عجل القوات التي كانت ترابط في ميدان المنارة وسط رام الله وتلكالقريبة من مقر الرئاسة للمرابطة في محيط الرئاسة ، حيث بدأت الدباباتالإسرائيلية بالاقتراب متجنبة المحاور الرئيسة التي توصل إلى المدينتين .
وما أن اقتربت الساعة من الخامسة والنصف صباحا حتى بدأت فوهات المدافعبقصف بوابات الرئاسة والأسوار المحيطة بالمقر . كان حرس الرئيس الخاصوقوات أمن الرئاسة الـ(17) خلف الأسوار يستبسلون في الدفاع لصد التقدمالإسرائيلي نحو المقر .

إلا أن المعركة غير المتكافئة دفعت بالجميع للتراجع أمام فوهات المدافع الإسرائيلية .

في تلك الأثناء تمكنت دبابات الاحتلال من هدم الأسوار الغربية للمقر ،اخترقت مبني الاستخبارات الذي يقع في مقدمة المدخل الغربي للرئاسة ، وفيالوقت ذاته بدأت هذه الدبابات بهدم البوابة الشرقية . وتمكنت من دخول مبنىالمخابرات العامة الذي يقع في مقدمة البوابة الشرقية وقصفته بصورة عنيفةوكأنها تحقق انتقاما خاصا لهذا المبني ومن يتواجد فيه .

عندما اقتربت قوات الاحتلال من مبنى المخابرات العامة نزل الرئيس عرفات منمكتبه في الطابق الثالث إلى الطابق الثاني واختار إحدى الغرف مقرا له ،ولتكون أيضا غرفة العمليات التي تدار فيها معركة الوجود الفلسطيني .

في تلك الأثناء كانت البوابة الداخلية للمقر تشهد معركة شرسة بين حرسالرئيس وقوات أمن الرئاسة الـ(17) وبين قوات الاحتلال المدعومة بالدباباتوالمجنزرات ، إلا أن المتاريس المصفحة التي وضعها حرس الرئيس في مقدمةالبوابة لم تصمد ، حيث استشهد في خلال الدقائق الأولى من الأشتباك مع قواتالاحتلال الضابط شاهر أبو شرار وأصيب أكثر من 18 جنديا وضابطا من حرسالرئيس الخاص .

أمام حجم الهجوم الإسرائيلي بدأ حرس الرئيس ومغاوير قوات أمن الرئاسةالـ(17) بالانتشار وأخذ مواقع جديدة لهم داخل مقر الرئاسة والذي هو مؤسسعلى شكل مستطيل تتواجد فيه مقار الأمن الوطني والمخابرات العامة وقوات أمنالرئاسة الـ(17) ومقر المحافظ بالإضافة إلى مقر الرئيس عرفات بشكل متصل .

أمام القصف المتواصل استطاعت قوات الاحتلال من إحداث ثغرات في مبنيالمخابرات حيث تمكنت من النفاذ إلى داخل مبني المخابرات ، وأصبحت الجهةالشرقية لمبنى الرئيس عرفات محتلة تماما ، ولا يفصله عن غرف الرئيس سويحائط ، بدأت التهديدات تزداد والوضع أكثر خطورة مع محاولات التقدم لقواتالاحتلال من جهة مقر المحافظة التي يتواجد بداخلها مغاوير قوات الـ(17)الذين شكلوا رأس حربه في معركة الدفاع عن حياة الرئيس عرفات ، المعركةبدأت تشتد وتتصاعد وجها لوجه ومن غرفة لأخرى ، فجنود الاحتلال أخذوايتواجدون في غرف قوات الأمن الوطني وبدأوا بالوصول والاقتراب إلى مقرالمحافظة عبر البوابة الرئيسة ومن الفتحات الداخلية للغرف .

في هذه اللحظة قرأ جميع من في المقر الفاتحة وتلو الشهادة ... الرصاص بدأينهمر كالمطر باتجاه قوات الاحتلال من كافة المحاور لصدهم من التقدم أكثر. وبالفعل بعد أكثر من ساعة ونصف من المواجهة داخل غرف المحافظة استطاعالمغاوير من صد جنود الاحتلال .

كان خوف المقاتلين ينبع أساسا من وجود باب خلفي يربط بين مقر الرئيس ومقرالمحافظ ، ويمكن لجنود الاحتلال السيطرة عليه وبالتالي تضيق مساحة مقرالرئيس .

صعدت إلى الطابق الثاني حيث يتواجد الرئيس عرفات الذي لم يغمض له جفن طوالالليلة الأولي من الاقتحام والحصار . فالقذائف المدفعية تتساقط على مقرهوزخات الرصاص تنهمر من كل صوب وحدب

Admin
Admin

المساهمات : 229
تاريخ التسجيل : 05/10/2010

https://sh4r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات Empty رد: مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أكتوبر 06, 2010 1:32 pm

الحلقة الثانية
الرئيس ياسر عرفات أخذ يتفحص عيون المحاصرين المتواجدين معه في الطابقالثاني، وكأنه يرى فيها عالما آخر غير الذي يعيش فيه من قصف مدفعي، أولعله كان يجرى في هذه اللحظات عملية اختبار لمن تمالك شجاعته في هذهالفترة العصيبة التي يداهم فيها الموت الجميع من كل اتجاه وزاوية، لا أعرفحقا ماذا كان يبحث عنه الرئيس في هذه اللحظة، لكني كنت متأكدا أنه يحثالجميع بنظراته الثاقبة على الصبر والثبات.

اليوم الثاني للحصار ـ 30/3

واصل الرئيس عرفات سيره في الممر الضيق وهو ممسك بجهاز الاتصال اللاسلكي،وقد لجأ لوسيلة الاتصال هذه بعد أن قطعت الاتصالات الأرضية والخلويةبالخارج، الأمر الذي شكل أزمة حقيقية للرئيس عرفات، فهو غير قادر على أنيجرى اتصالاته مع القادة والزعماء العرب والغربيين لحثهم على الضغط علىشارون لوقف العدوان على مقره وعلى الشعب الفلسطيني.

اقترح العميد توفيق الطيراوي مدير المخابرات العامة الفلسطينية في الضفةالغربية أن تكون وسيلة الاتصالات مع الخارج هي جهاز الاتصالات اللاسلكي ،حيث يتصل الرئيس بالمسئولين الفلسطينيين وبعد ذلك تنقل رسائله إلى دولالعالم عبر عدد من المسئولين الفلسطينيين. وبالفعل اتصل الرئيس عرفات معالطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة، وصائب عريقات وزير الحكم المحلي،وياسر عبد ربه وزير الثقافة والاعلام، وبمدير المخابرات العامة اللواءأمين الهندي الذي أراد منه نقل رسالة عاجلة إلى المسئولين العرب والغربيينوالأميركيين لإطلاعهم على حقيقة الوضع في مقر الرئاسة.

الرئيس عرفات الوضع خطير جدا، القصف من كل اتجاه على المبنى، المطلوب تحرك جدي الآن وفي هذه اللحظات لوقف محاولات الاقتحام.

ما أنهى الرئيس عرفات مكالمته اللاسلكية حتى عرج للغرفة التي أتواجد بهاوهي مقابل غرفته مباشرة، طلب منا القيام بوضع خزانة المكتب على النافذةالوحيدة للغرفة، كما طلب من المدنيين العاملين في مقر الرئاسة بأن نبقىمنبطحين على الأرض خوفا على سلامتنا من الإصابة بالرصاص الإسرائيلي الذييأتي من كل اتجاه.

ورغم تشجيع الرئيس عرفات لنا، فان الجميع نطق بالشهادة استعدادا للموت القادم، فالانفجارات كان دويها يتصاعد ويتلاحق.

وفي أثناء الصمت القاتل الذي ساد ممر الطابق الثاني كان الرائد وليد عبدومن حرس الرئيس الخاص يتلقى مكالمة خاصة من أحد أخواله بواسطة جهاز لاسلكيوبادره الرائد وليد بكلمة (سامحني، سامحني يا خالي) حتى أن طلب المسامحةوصل مسامع الرئيس عرفات، كلمات المسامحة كان لها وقع خاص لم نسمعه من قبل،بل تأكد الجميع أنها تخرج من شفاه من وضع نصب عينيه الشهادة، وفي هذهالأثناء كان الضابط وليد حمد يخط بيده الثابتة على جدار الممر كلمة (أهلابروائح الجنة). ومضت الدقائق ثقيلة وبطيئة أمام القصف المتواصل.

في اليوم الثاني استطاعت قوات الاحتلال الإسرائيلي الدخول إلى شبكةالاتصالات اللاسلكية الخاصة بحرس الرئيس، وبدأنا نسمع عبر الأجهزةاللاسلكية ضباط الاحتلال الإسرائيلي يتحدثون إلى المحاصرين يطالبونهمبالاستسلام وأن قوات الاحتلال ستتعامل مع الحرس باحترام إذا ما سلمواأنفسهم. فيما يرد أحد حراس الرئيس عليهم بالقول (اذهب إلى الجحيم... أنتممن يجب أن يسلموا أنفسهم ويرحلوا من هنا... فيما أجاب الرائد سهيل عيسى منقوات أمن الرئاسة الـ(17) بقوله أنتم من دخلتم رام الله، وعليكم أن تفكرواكيف ستخرجون منها أحياء... ولا تخلو المهاتفة اللاسلكية من بعض الشتائموالسباب الموجهة للإسرائيليين.

انهمك الرئيس عرفات بتفقد وتفحص غرف المقر، وفي الأثناء يطلب من بعض الحرسأخذ الراحة والاسترخاء ليتمكنوا من المناوبة والقيام بواجباتهم فيما بعد،لكن دوي المدافع أخذ يشتد ويمنع الجميع من النوم.

لم أصدق أبدا أن خيوط الشمس الذهبية قد بدأت تخترق الشقوق التي أحدثتهاالقذائف في المبنى، أذكر أن غفوت وأنا أجلس القرفصاء من شدة الإرهاق الذيأصابني.

السبت ـ اليوم الثالث للحصار ـ 31/3

الشعور بالخطر يتعاظم مع كل دقيقة تمر، ومحاولات الاقتحام لمبنى الرئاسة،ونفدت المياه وكميات التموين في المقر، وما زاد الطين بلة ان إمكانيةالذهاب إلى المراحيض أصبحت غير واردة بالحسبان، فكل خطوة غير محسوبةستكلفك حياتك.

وطوال اليوم الثالث من الحصار كانت قوات الاحتلال تعزز من تواجدها في محيطمقر الرئاسة وتواصل محاولات اقتحامها لمقر الرئاسة عبر فتح المزيد منالثغرات الداخلية في المباني الملاصقة لمقر الرئيس عرفات، فيما قامت قواتالاحتلال بعمليات تمشيط واسعة بداخل المباني التي استطاعت الوصول إليهاخوفا من وجود جيوب للمقاومة.

ومع ساعات المساء هدأت حدة القصف ثم توقف كليا، وتناهى إلى مسامعنا طلبقوات الاحتلال عبر مكبرات الصوت من المحافظ مصطفى عيسى أبو فراس محافظ رامالله والبيرة، والذي كان محاصرا مع الرئيس عرفات الخروج إليهم للتفاهم كماقالوا.

نزل إليهم وكان بانتظاره في مرآب الرئيس عرفات قائد اللواء الإسرائيليالعسكري الذي احتل مقر الرئاسة، وضابط استخبارات كبير والعقيد أبو (عمري)مسئول الارتباط العسكري الإسرائيلي، حيث طلبوا من المحافظ أبو فراس إبلاغالرئيس عرفات رسالة مفادها أن لديهم قرارا باقتحام مقر الرئيس عرفات لأخذالمطلوبين بداخله. رد عليهم المحافظ أنه وبحكم الاتفاقات الموقعة بينالجانبين لا يمكنكم الدخول إلى مقر الرئاسة، قاطعه قائد الحملة العسكريةالإسرائيلي بقوله لا توجد اتفاقات فما كان على المحافظ سوى القول أنهسينقل الرسالة إلى الرئيس عرفات، وذهب دون أن يرجع إليهم وعقب المحافظ أبوفراس على تلك المحادثة مع القادة العسكريين بقوله ان لديهم إصرارا علىإذلال الفلسطينيين.

كان الإسرائيليون قد قطعوا الاتصال بمسئول الارتباط العسكري الفلسطينيالعميد ربحي عرفات الذي تواجد أيضا داخل الحصار مع الرئيس عرفات، وكانمهمة العميد عرفات الاتصال والتنسيق مع الجانب الإسرائيلي في حال نشبتخلافات ومواجهات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا أن الحكومةالإسرائيلية قررت ألغاء مهمة الارتباط العسكري بين الجانبين، وأعادت مايسمى بالإدارة المدنية التي كان يعمل بها فترة الاحتلال الإسرائيلي الأولىمنذ عام 1969.

الأمر الذي يؤكد أن إسرائيل ألغت عمليا السلطة الفلسطينية بأجهزتها التيأفرزتها اتفاقية أوسلو وبقية الاتفاقات المبرمة بين الجانبين.

وأصبحت تتعامل مع السلطة الفلسطينية بأنها سلطة خاضعة تحت الاحتلالالإسرائيلي، وأن رموز السلطة الفلسطينية يجب من الآن فصاعدا أن تتعامل معالأدوات الاحتلالية وليس تلك الأدوات والأجهزة التي أفرزتها الاتفاقات.

نصف الساعة التي خرج بها المحافظ مصطفى عيسى كانت تعني دهرا للبعض، فهيستحدد ملامح المعركة القادمة... ومع عودة المحافظ ارتفعت حالة الاستنفارفي صفوف الجميع.

يبدو أن عدم رد المحافظ على رسالة الإسرائيليين أغاظهم، فاقترب جنودالاحتلال إلى بوابات مقر الرئيس الداخلية بحماية الدبابات وبدأوا بطرقالأبواب المؤدية إلى مقر الرئيس عرفات عندها أيقن الجميع أن الاقتحام وشيك.

في هذه اللحظة ارتفع صوت الرئيس عرفات عاليا خلال اتصاله مع صائب عريقاتبواسطة اللاسلكي طالبا منه سرعة التحرك واجراء الاتصالات مع الأطرافالدولية والعربية لابلاغهم بما يجرى على الأرض وما يمكن أن تشهده اللحظاتالقادمة من ارتكاب مجازر حقيقية، فأجاب صائب (ما أسمعت لو ناديت حيا، ولكنلا حياة لمن تنادى) فرد الرئيس هذه مؤامرة. أيضا كان على وسيلة الاتصالالأخرى أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم الذي طلب منه ذات الشيء. دقائقمعدودة وهو يرد على أسئلة الطيب عبد الرحيم وعريقات ويقول هم أيالإسرائيليون يكذبون... يكذبون، ها هي محاولات الاقتحام تتكرر. أكدوا أيللأطراف الدولية والعربية أكدوا لهم الحقيقة بأن قوات الاحتلال تواصل بكلقواها اقتحام المقر.

كان وزير الحرب الإسرائيلي يتحدث مع الأطراف الدولية وحتى العربية أن قوات جيشه توقفت عن عمليات قصف المقر.

وبينما كان صوت الرئيس عرفات يرتفع كانت القلوب تزداد خفقانا، والشفاه تتمتم بآيات من الذكر الحكيم والشهادة لا تفارق شفاه الجميع.

في هذه الأجواء القاتمة كان البعض منا يهمس في أُذن الآخر عن سيناريوهاتمختلفة لاقتحام المقر.. ويبدو أن مخيلة المحاصر تكون عادة أكثر تفتحاوتحملا من التخيلات التي لا حد أو مدى لها. لكن لحظة الموت بدأت بالاقترابرويدا رويدا، تشعر بها وتتحسسها كما تتحسس أطرافك.

كنت أحسد أحد العاملين في نقليات الرئيس عرفات ويدعى محمد النمر الذي واجهأزمة الموت بنوم عميق طوال ثلاثة أيام متتالية، فلا دوي القذائف ولا أزيزالرصاص أيقظه، ولا تكدس المتواجدين داخل الغرفة... نعم أجزم أنه كان يمارسبوعي تام رياضة اليوغا التي تدخله عالمه الخاص.

هذا الوضع دفع بالمهندس باسل للقول يبدو أننا في يوم واحد دخلت عليهالفصول الأربعة مرة واحدة فالنيران المشتعلة التي أحدثتها القذائفالمدفعية غيرت معالم المكان والزمان.

الثلاثة أيام الأولى من الحصار كانت قاسية بكل تفاصيلها، لكني حسمت أمريوتوكلت على الله العلي القدير بأن الشهادة هي مطلب كل مؤمن محتسب، هذاالشعور أدخل الطمأنينة لنفسي، ولم اعد بقذائف المدافع وأزيز الرصاص، ولكنيتألمت كثيرا لوالدتي التي شعرت بألمها وحزنها، لكني كنت متأكدا أن صلواتهاودعاءها الدائمين ستحميني من بربرية الاحتلال.

كانت مشكلة جميع من في المقر وعددهم نحو (300) هي نفاد السجائر، كنت أحملمعي أربع علب وقت حضوري إلى المقر، وكان الشاب خالد الحلو يتبرع باستمراربسجائره ولكن سرعان ما نفدت أيضا عشنا تجربة الحرمان مرة أخرى ليس فقطللسجائر وانما للطعام أيضا وتجددت آلام الأمعاء الخاوية.

فرح غير اعتيادي في مقر الرئاسة

تفاجأ جميع من في المقر بوجود تجمع كبير من الأجانب أمام البوابة الشرقيةالخارجية للرئاسة، عصر اليوم الثالث للحصار.. وهم يرفعون اللافتات ويرددونالهتافات بصوت مرتفع حتى أن صداه وصل للرئيس عرفات، اطلق جنود الاحتلالالنار فوق رؤوسهم في محاولة منهم لردعهم لكنهم لم يرتدعوا وواصلوا تقدمهمإلى أن باتوا قريبين من البوابة الداخلية التي كانت محصنة بالمتاريس،استعد حرس الرئيس لاستقبال هؤلاء الأجانب الذين جاؤوا على غفلة من أمرهموفتحوا فسحة في التحصينات من أجل إتاحة المجال لمرورهم، وبالفعل قدموا إلىالمقر وسط تصفيق حار وابتهاج من في داخل المقر، وعلى الفور صعد جميعهم إلىداخل غرفة الرئيس عرفات الذي استقبلهم بحفاوة، وأكد لهم أن خطوتهم هذهتعبير عن الضمير الحي للذين يرفضون همجية الاحتلال الإسرائيلي التي تمارسأبشع الأساليب ضد الفلسطينيين ومن أعمال قتل وتدمير ومجازر مماثلة لصبراوشاتيلا.

كان وفد الأجانب الذين تمكنوا من دخول مقر الرئيس المحاصر ينضم إلى لجنةالحماية الشعبية الدولية ويتشكل من عدة ***يات، وأيضا من عرب جزائريينومغاربة يحملون ***يات فرنسية.

مسئولة الوفد كانت كلوديا لويوستيك فرنسية ال***ية، تعمل مدرسة للغة الفرنسية في نابلس.
قالت لـ(الوطن) لحظة سماعي لما يجري في رام الله والبيرة المحاصرتينوامكانية ارتكاب مجزرة حقيقية إذا ما حاولت قوات الاحتلال اقتحام مقرالرئيس عرفات قررت التوجه إلى رام الله بأي ثمن.
قالت كلوديا ان أعضاء الوفد يحملون قناعات بأن رئيس الوزراء الإسرائيليارييل شارون هو مجرم حرب قديم، ويريد تدمير الشعب الفلسطيني، واتفق أعضاءالوفد مع كلوديا بأن لا سلام مع شارون وحكومته.

يعتقد أعضاء الوفد أن الصمود الفلسطيني يعزز من صمودهم في دائرة الصراعالجاري حاليا ضد العولمة، والتي تريد الولايات المتحدة الأميركية من خلالالعولمة إحكام سيطرتها على العالم. وأكدت كلوديا أن الفلسطينيين ومعهمالوفد المتضامن سيكسبون الحرب، وأن الاسرائيليين هم الخاسرون في النهاية.وقاطعت الحديث الدائر نتايا غولان يهودية تحمل ال***ية الكندية ومتزوجة منفلسطيني من نابلس، وقالت لشبكة فلسطين الاخبارية أريد أن يعيش أولاديبسلام، ولكن في ظل اختلال المفاهيم والكيل بمكيالين من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية، أشك أن يستطيع أولادي أن يعيشوا بسلام بسلام فيوطنهم... شارون وبوش ينظران للدم اليهودي بأنه دم ثمين، أما الدمالفلسطيني فما زال رخيصا وفق معتقدهما.

رفض أعضاء الوفد الأجنبي الأربعون أن يعاملوا كضيوف مميزين لدى المحاصرين،بل تطوعوا لكل الأعمال الروتينية التي يقوم بها الحرس من أعمال نظافةوغيرها حتى أن بعض المتطوعات مثل كلوديا قامت بمحاولة طبخ ما تبقى منوجبات .لقد جلبوا معهم بعض علب الحلوى وقاموا بتوزيعها على المقاتلين، وفيساعات الليل يتوزع أعضاء الوفد على جميع غرف الرئاسة لجعل أنفسهم دروعابشرية أمام هجمات قوات الاحتلال المحتملة.

جوليا الألمانية كانت فتاة تكره العنف بجميع أشكاله، ومن أنشط أعضاءالوفد، كنا نشاهدها وهي تمزق قميصها لتضميد جراح أحد المصابين، كانواكخلية نحل، فهذا البروفيسور جرار ابن الستين يواصل ليله بنهار في كتابةالتقارير التي تكشف نازية الاحتلال، ولم يكل من كتابة الفظائع الإسرائيليةطوال أيام الحصار رغم الاعياء الذي بدا على جسده النحيل المرهق.

وللأسف الشديد لم يمض على المغربي محمد بن بركة والذي يحمل ال***يةالمغربية سوى يومين حتى علم من القنصلية الفرنسية بموت والده، كان مشهدامؤثرا عندما اصطف الحرس وقاموا بتقديم واجب العزاء له. لم يطلب منالقنصلية الفرنسية ان تخرجه من مقر الرئيس المحاصر بل فضل البقاء معالرئيس عرفات رغم فاجعته بموت والده.

رغم الحزن في الوفد الأجنبي كان هناك مناسبة سعيدة لأحدهم، حيث احتفلنيكلسون بول 55 ـ من اقليم الباسك في أسبانيا ـ بعيد ميلاده في إحدى غرفالرئاسة، وكان سعيدا بحفلة عيد الميلاد المتواضعة، وكمفاجأة لضيوف الحفلحمل صينية صغيرة تحتوي على بعض قطع الحلاوة والبندورة بديلا عن قطع الكيك.وأشعل شمعة ثم اطفأها مع تمنيات الجميع بعيد ميلاد سعيد، وكان مشهدا مؤثراعندما قام العميد توفيق الطيراوي مدير المخابرات العامة في الضفة الغربيةبإهداء بول ميدالية بيت لحم (2000) والعلم الفلسطيني، وبعد ذلك تناولواالصور التذكارية لهذا الحفل الغريب.

Admin
Admin

المساهمات : 229
تاريخ التسجيل : 05/10/2010

https://sh4r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات Empty رد: مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أكتوبر 06, 2010 1:38 pm

الحلقة الثالثة

عانى المحاصرون أوضاعا صعبة جراء النقص الشديد في الماء والغذاء في اليومالرابع للحصار، ورفضت قوات الاحتلال السماح لسيارات الصليب الأحمر بإدخالمواد التموين وعبوات المياه .

ومنذ اليوم الأول من الحصار تم تدمير شبكة المياه والاستيلاء على مستودعاتالتموين والتي كانت قد تم تخزين الطعام فيها قبل يوم واحد من الحصار .

واكتفى جميع المحاصرين على رشفات قليلة من المياه وعلى كسرات الخبز الجافة وقطعة صغيرة من الجبنة الصفراء.

شعر الرئيس عرفات بمدى العطش والجوع الذي ألم بالمحاصرين ، فبدأ يكثف منلقاءاته مع الحرس والمحاصرين لحثهم على التحمل والصبر .ولتفويت الفرصة علىقوات الاحتلال وإغاظتهم بهذا الصمود .

بدأ محافظ رام الله والبيرة مصطفى عيسى أبو فراس يكثف اتصالاته عبرالأجهزة المتوفرة من اللاسلكي والهواتف الإسرائيلية الاتصال بالصليبالأحمر لإدخال التموين للمحاصرين والدعوة إلى إصلاح شبكة المياه المدمرة.ولكن هذه الاتصالات لم تثمر بعد ... والجميع ينتظر . وبات الوصول إلىرشفة الماء منالا صعبا ، وان توفرت للبعض فـانهم يمتنعون عن تناولهالإتاحة الفرصة لمن هو بحاجة لتلك الرشفة أكثر ليطفئ ظمأه .

في هذه الأجواء الصعبة بدأت أيضا تواجه المحاصرين مشكلة جدية وهي امكانيةتفشى الأمراض خاصة في ظل تراكم القاذورات والأوساخ والروائح غير الصحيةالتي أخذت تظهر في الحمامات الرئاسية لكثرة العدد الموجود . الأمر الذيأثار رعبا حقيقيا بين المحاصرين .

وأكد الطبيب عمر دقة الطبيب الخاص للرئيس عرفات أن عدم وصول المياه للمقرفي هذه اللحظات يعني تفشى الوباء والأمراض ، خاصة أن بعض المحاصرين أصيبوابحالات إسهال شديد، عدا عن حالات القمل ، وكانت هناك خشية من أن تصلالأمور للإصابة بالقمل والكوليرا.

ولم تقتصر المعاناة على النظافة لعدم وجود المياه بل ومن قلة الأدوية خاصةتلك المضادة لمرض الكزاز ، وتزداد هذه الخشية في وجود عدد كبير منالمصابين داخل مقر الرئاسة لم يتم نقلهم إلى المستشفيات خشية من أن تخطفهمقوات الاحتلال كما فعلت مع المصاب أسامة الياسيني الذي فقد إحدى عينيه ومعذلك ورغم آلامه اقتادته إلى السجن بدلا من المستشفى .

أمام هذه الأوضاع الصعبة قرر عدد من المغاوير خوض مغامرة خطيرة بكلمقاييسها ، فقد تسللوا من الطابق الثالث من جناح قاعة المؤتمرات إلىالطابق الأول ، وفتحوا إحدى النوافذ المطلة على أحد المستودعات التي تسيطرعليها قوات الاحتلال ، ورغم الاحتمال الكبير من قوع المجابهة مع قواتالاحتلال أو الوقوع في كمائنهم ، فقد أصروا على إحضار عبوات المياه منالمستودع بعد ان تأكدوا من مدير مكتب الرئيس عماد النحاس من مكان وجودها ،وفعلا تقدموا باتجاه المستودع بخفة ورشاقة ومارسوا التضليل للوصول للموقع، وبعد أقل من عشر دقائق كانوا يحملون عبوات المياه ويدخلونها من النوافذ. شعروا بنصرهم الذي حققوه وارتاح جميع المحاصرين ، وأصر الجميع أن تكونرشفات المياه الاولى هي من نصيب هؤلاء المغاوير. مغامرة كادت ان تؤدىبحياتهم ، لكنها كانت تستحق فقد بلغ العطش أشده .

صاروخ لاو داخل غرفة مجلس الوزراء

لأول مرة أشعر بخوف حقيقي في الحصار ، فقد صعدت إلى الطابق الثالث بعد أنبدأت أشعر بضيق التنفس في الطابق الثاني لكثرة التحصينات التي أدخلت عليهولإغلاق جميع المنافذ التي تتيح بإدخال الأكسجين ، صعدت لأتنفس رغم خطورةذلك ، وبينما كنت أسير في الممر الذي يؤدي إلى مكتب الرئيس عرفات وقاعةمجلس الوزراء كان يجلس في الممر العقيد محمود ضمره أبو عوض مسئول قوات امنالرئاسة الـ(17) الذي تبادلت معه أطراف الحديث وعزمني على فنجان قهوة وهيتعتبر في هذه الظروف عزيمة ملوكية ، وبينما كنا نتحدث فإذا بانفجار ضخميقع بداخل قاعة مجلس الوزراء مصدره صاروخ لاو محمول من جندي إسرائيلي ،حملني انفجار الصاروخ مع الكرسي الذي كنت جالسا عليه وأنا ممسك بفنجانالقهوة ، لم أصب بأذى فقد حماني الجدار الذي كنت أستند عليه ، وأصيب أربعةمن قوات أمن الرئاسة كانوا يتواجدون داخل القاعة بجروح بليغة .

كان قصف قاعة مجلس الوزراء ردا مقصودا على قوات أمن الرئاسة الـ(17) التيترابط في هذه المنطقة من مقر الرئيس ، والتي خاضت معركة عنيفة مع قواتالاحتلال بقيادة أبو عوض تمكنت فيها من استعادة مقر المحافظة والذي احتلبعد رابع محاولة اقتحام من قبل قوات الاحتلال .

اعتبر العقيد أبو عوض احتلال مقر المحافظة خطوة خطيرة يجب الرد عليها ،وبدأت المعركة صباح اليوم التاسع للحصار عندما دهمت مجموعة من المغاويرالباب الفاصل بين المحافظة ومقر الرئيس وسط إطلاق كثيف للنيران وإلقاءعبوات ناسفة شديدة الانفجار . وفي أقل من دقيقة استطاعت مجموعة المغاويرمن التسلل عبر البوابة التي احترقت كليا ، وواصلت إطلاقها النار على جنودالاحتلال الذين تقهقروا وبدأوا بالنزول إلى درج المحافظة في هذه اللحظةألقى المغاوير عددا من القنابل الناسفة على جنود الاحتلال مما أوقع خسائرحقيقية بين قتلى ومصابين لم تعترف بها قوات الاحتلال . قام المغاويربتمشيط المنطقة واستولوا على جميع مقر المحافظة .

لم يكتف الشبل يوسف من قوات أمن الرئاسة بتواجده داخل مقر المحافظة ، بلأراد الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك ، فدخل في الثغرة التي فتحتها قواتالاحتلال عبر الحائط الفاصل بين المحافظة ومقر قوات الأمن الوطني ، واصطدمخلال تسلله بجنود الاحتلال الذين أطلقوا عليه القذائف المحمولة ، وكانتردة فعله بأن بادر بفتح وابلا من الرصاص وهو مختف وراء الأبواب مما أدىإلى جرح عدد منهم بجروح . ورجع الشبل يوسف فرحا لقيامه بهذه المغامرةالقاسية .
كان عدد من المغاوير مهتمين بعد تحرير مقر المحافظة بجمع مواد التموينالتي كانت تتواجد في المقر وهي عبارة عن ثلاثة من أكياس الأرز وبعض عبواتالمياه وبعض الأغطية والمرطبات ، فكانت هناك فرحتان الأولى بالسيطرة علىالمحافظة ، والثانية بما حصلوا عليه من تموين .

بعد المعركة عدت إلى ذات المكان في الممر بين قاعة مجلس الوزراء وغرفةالرئيس عرفات ، وجلست مرة أخرى بجانب العقيد أبو عوض وهو المطلوب بشدةلقوات الاحتلال ، نعم كان قائدا للمعركة ، وصلبا في تحديه لقوات الاحتلال، تحدى الحصار وأخترق التحصينات التي أقامتها قوات الاحتلال ، وأطلق قذائف(البى سفن)، وشكل رأس حربة في معركة الوجود الفلسطيني في مقر الرئاسة ،أحبه المقاتلون وجعلوه قدوتهم ، وحاولوا تعلم عدم رهبة الموت والاقدامعليه بابتسامة... ببساطة أرادوا تشرب مسلكياته البطولية.. فهذا القائدينام مع مقاتليه ويأكل معهم .. ويقوم بواجب الحراسة كأي جندي عادي ، لايتذمر ولا يعرف سوى الاقدام .

لقد اختير أبو عوض لأن يكون داخل مقر الرئاسة وليس خارجه ، مع انإمكانياته في الخارج توفر له فرصة ليكون أشد انقضاضا على قوات الاحتلالومع ذلك بقي مقاتلا عنيدا .

قال أبو عوض لـ(الوطن) وهو ينفث سيجارته ، حاولت قوات الاحتلال اقتحامالمقر عدة مرات ، لكنهم لم ينجحوا أمام التصدي البطولي لقواتنا ، وكانتتدور المعارك الشرسة من غرفة إلى غرفة .
بادرته بالسؤال عن سبب إسناد المهام الخطرة في حماية مقر الرئيس لقوات أمنالرئاسة الـ(17) ، قال أبو عوض قوات الـ(17) هي القوة التنفيذية لحمايةالرئيس عرفات ، ورجالها مدربون ومتمرسون في القتال .

وتابع أبو عوض قوله نحن جاهزون للقتال ، فاما أن نكون شهداء أو أحرارا (النار ولا العار ) . وبرر أبو عوض سرعة وصول دبابات الاحتلال إلى مقرالرئاسة بتأكيده أن الحملة العسكرية الإسرائيلية لم يسبق لها مثيل ، حيثاقتحمت رام الله والبيرة أكثر من (500) دبابة . ولم تكن لدى القواتالفلسطينية أسلحة ثقيلة تواجه هذا الكم من الدبابات .

ومع ذلك أوضح أبو عوض أن إسرائيل ستكون مهددة في عمقها إذا ما حاولوا المس بحياة الرئيس ياسر عرفات .

العقيد أبو عوض الذي كان يمضى ليله متنقلا من سيارة إلى أخرى خشية من قياممروحيات الأباتشي من اغتياله ، أوقف ترحاله القسري وبدا أكثر راحة ببقائهمحاصرا.

صور ومشاهد من داخل الحصار

أبو فراس في الخمسين من عمره رفض إعطاء اسمه رغم أنه معروف بعمله في مكتبالسكرتارية لدى الرئيس عرفات ، هادئ الطباع ولا يتحدث كثيرا ، غزا الشيبشعره وذقنه الحليقة ، كان دائم الحركة يبحث من زاوية إلى أخرى عن إرسالأفضل للهواتف النقالة التي كان يحملها بنظام الأورنج وليس الجوال الذي مازال مقطوعا . أخذ على عاتقه مهمة الاتصال بالمواقع المختلفة في جنينومخيمها الذي يتعرض لأبشع مجزرة ، وفي البلدة القديمة في نابلس ، كانيستقى الأخبار من المسئولين والمعارف ومن كل من له علاقة بالحدث .

ما أن يكتب حرفا أو كلمة أو جملة حتى ينقطع الاتصال مجددا ، ويزداد توتره، فعليه إرسال الأخبار وتفاصيلها إلى الرئيس عرفات الذي ينتظر ، ودون كللكان يعاود الاتصال ، وتزاد مهمته صعوبة خاصة في ساعات الليل ، فالظلاميسود المكان ، وتزداد الضجة والضوضاء من حوله فالكل يريد الاتصال بذويهليطمئنهم أنه بخير ليسكن روعهم .

ومع ذلك يشعل شمعته التي بالكاد تضيء بنورها الخافت المكان الذي يجلس فيه ليواصل متابعة أخبار المجازر .

أجلس بجانبه لأسمع الأخبار ، وبين وقت وآخر أسمعه يتحدث عن ضرورة متابعةالمسئولين لعدد من القضايا ، ويقول : هذه أوامر (الختيار) أي الرئيس عرفات، ويجب تنفيذها على عجل ، على الجميع أن يتعاون في هذا الظرف الصعب ، فلامجال للصغائر ، الوطن بحاجة للجميع .

لم تكن رتابة في يوم المحاصر ، رغم هدوء القصف ، فالتهديد ما زال قائما ،واحتمالات اقتحام مقر الرئيس واردة في كل الأحوال ضمن عقلية شارون النازية.

ومع ذلك فإن هذا التوتر الساكن يحمل دائما خواطره التي تدهم البعض ، ويبدوأن عدم رؤية الشمس ، وهواء ابريل المشبع بروائح الأزهار والليمون التي تهبمن الجبال والهضاب المحيطة برام الله والبيرة مخترقة الحصار أثارت الشجون.

أتفحص وجوه المحاصرين ، أحدق في عيونهم ترى في كل وجه حكاية وقصة ما يتألمالقلب لها وتدمع العين ، فهي حكاية عذابات الفلسطيني المشتت والمطاردوالمحاصر .. حكاية الكفاح الطويل الذي لم يصل إلى محطته النهائية بعد .

أجواء الجدية والاستنفار لم تمنع سعد اليتيم من رسم الابتسامة على شفاهه.. سعد اليتيم هكذا اسمه أو هكذا يفضل رفاق السلاح أن يطلقوا عليه هذهالتسمية ، عنيف وعنيد ، لكنه رقيق القلب ، متزوج وأب لثلاثة زهرات ، ملتحقبقوات أمن الرئاسة الـ(17) ، مختص في اطلاق قاذف البي سفن ، جلست بجانبهالقرفصاء شعرت بحنينه إلى زوجته وأطفاله ، كان قلقا على دعاء ابنة الأربعةأعوام فهي مريضة ، وبحاجة إلى عملية جراحية ، زوجته المتواجدة في العاصمةالأردنية عمّان لا تستطيع أخذ دعاء إلى المستشفى لعدم توفر أية نقود معهاحاليا .

تأسف سعد لحاله ، ولكنه أكد أن بإمكان زوجته الذهاب إلى بعض الأصدقاء لحل هذه المشكلة .

لم يشاهد زوجته وأطفاله منذ أكثر من عام ، فهو لا يستطيع الخروج من رامالله ، وكيف يغادرها ومعركة الدفاع عن الوجود متواصلة مع قوات الاحتلالمنذ عام ونصف .

أحضر زوجته من عام قبل سنة ، واستأجر غرفة في فندق الميرلاند بمدينة رام الله ومكثت معه عشرة أيام .

سعد اليتيم المحارب لا يملك بيتا في وطنه .. ولا يملك ما يشعره بالانتماءوبحافز القتال... رغم جهوزيته الدائمة وتوثبه والمخاطر التي عاشها .

كان ضمن رأس الحربة في الدفاع عن مقر الرئيس عرفات يحمل قاذف البي سفن ويتقدم الصفوف ليكون متراسا عنيدا لا يعرف التراجع .

وتبقى أمنية اليتيم إيجاد منزل يضمه وزوجته وأطفاله ليستقر في رام الله وفي وطن محرر .

الساعة السادسة مساء، أشعر بجوع شديد ، فلم يدخل معدتي شيء اليوم ... ورغمالجوع فإني أشعر بحاجتي الماسة للسيجارة حتى أواصل كتابتي .. التي انقطعتعنها اليوم للجوع وللشوق للسيجارة.

Admin
Admin

المساهمات : 229
تاريخ التسجيل : 05/10/2010

https://sh4r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات Empty رد: مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أكتوبر 06, 2010 1:39 pm

الحلقة الخامسة:

بعد أربعة أيام على حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جرت الاتصالات تباعابين الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية لمواصلة اتصالاتها مع الأطرافالدولية.

وفي اليوم الثامن لحصار الرئيس عرفات في يوم الجمعة 5/4 كان مقررا أن يأتيالمبعوث الأميركي أنتوني زيني لمقر الرئيس عرفات، تبادر لذهن البعض أنالجنرال زيني وهو مبعوث الرئيس الأميركي لن يأتي إلى المقر والدباباتالإسرائيلية تحاصره، بل أن احتمالية عالية بدأت تقترب لرفع الحصار، ولكنالحصار بقي مفروضا ولم تتزحزح الدبابات والمجنزرات عن البوابة الداخليةلمقر الرئيس.

الرئيس عرفات أدى صلاة الجمعة في غرفته، ولم يطلب من الطهاة إعداد طعامخاص كما جرت العادة إذا قدم أحد الضيوف الكبار للقائه وقت الطعام، وكيفيقدم الطعام وقوات الاحتلال تمنع دخوله إلى المقر.

وحضر الجنرال زيني إلى المقر الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا وهو محروسا بقوات كبيرة من جيش الاحتلال أوصلته إلى بوابة المقر.

استمر اللقاء مدة تسعين دقيقة بين عرفات والجنرال زيني، وكان من الواضح أن زيني كان لديه قائمة مطالب يدركها الرئيس عرفات مسبقا.

أعاد زيني في هذا الاجتماع مطالب شارون والمتمثلة أساسا في تسليم أمين عامالجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني أحمد سعادات، وخمسة أعضاء من الجبهةالشعبية وهم عاهد أبو غلمه المتهم بمسئوليته عن كتائب الشهيد أبو علىمصطفي الجناح العسكري للجبهة الشعبية، ومجدي رحيمي المتهم بمسئول الخليةالتي قامت بتنفيذ قتل وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي،وحمدي قرعان المتهم بتنفيذ عملية القتل، وباسل الأسمر المتهم بالمساعدة فيعملية القتل، أضافة إلى العميد فؤاد الشوبكي مسئول الادارة المالية لقواتالأمن الوطني، والمتهم في قضية سفينة الأسلحة (كارين أيه).

والمطلب الآخر الذي جاء به زيني هو إعلان الرئيس عرفات لوقف اطلاق النار.

عمليا الاجتماع لم يحرز أية نتائج على صعيد وقف العدوان الإسرائيلي، وكانذلك متوقعا من الرئيس عرفات سيما وأن الجنرال زيني جاء إلى المقر في ظلتواصل الحصار الإسرائيلي لمقر الرئيس عرفات.

رأى البعض في قدوم زيني ولقائه مع عرفات وأن لم يحرز نتائج على صعيد وقفالعدوان، هو العودة الأميركية للشرعية الفلسطينية مرة أخرى ممثلة بالرئيسعرفات، بعد أن كانت الإدارة الأميركية قد بدأت عمليا بالابتعاد عن إجراءأي اتصال مع القيادة الفلسطينية.

لكن بعد هذا اللقاء أمر الرئيس عرفات بتشكيل لجنة فلسطينية يترأسهاالدكتور صائب عريقات لاستكمال المباحثات مع الجنرال زيني في القدس، والتيسرعان ما منعها الإرهابي شارون من مواصلة عملها عبر منع وصول الوفدالفلسطيني وعدم الأحتجاج الأميركي على ذلك.

في الحقيقة أن لقاء زيني مع الرئيس عرفات اعتبر مهما في شكله وليس فينتائجه، وهذا ما جعل من بعض المحاصرون يؤكدون أن بالإمكان القول الآن أنالسكين ابتعدت عن الرقبة بضع السنتيمترات، بعد أن بدأت بالتعامل مع الرئيسعرفات مجددا، وأعلان صريح بفشلها أنها لم تستطع إيجاد بديل عن الرئيسعرفات كقائد حقيقي للشعب الفلسطيني.
طبعا استفاد المحاصرون من مجيء زيني بأن سمحت قوات الاحتلال إدخال أولكمية تموين لمقر الرئيس وبالتالي نام المحاصرون لأول مرة بعد أن تناولواوجبه طعام وشربوا المياه.
ومضى شارون في سياسة تنفيذ مجازره في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس،وبدأت الأخبار عن المجازر وأن كانت تصل بصعوبة إلى الرئيس عرفات إلا أنهابدأت تثير قلقا حقيقيا لدى الرئيس الذي بدأ يدرك أن المقصود هو تدمير شاملللشعب الفلسطيني ولتقويض السلطة الفلسطينية.

ورغم قتامة الأيام القادمة وصعوبتها، إلا أن عصر يوم الثلاثاء 9/4 وهواليوم الثاني عشر للحصار كان يوما مختلفا، فقد دخلت البسمة إلى قلوبالمحاصرين بعد سماعهم نبأ طلب قوات الاحتلال من المقاتلين في مخيم جنينوقف إطلاق النار بعد مقتل أكثر من (16) جنديا إسرائيليا وأصابة عشراتالجرحى في كمين نصبه المقاتلون لجنود الاحتلال في المخيم، مما ترك الأثرالطيب في نفوس المحاصرين الذين هم في شوق لسماع القصص البطولية التييصنعها المقاتلون مخيم جنين.

وعلى الفور أعلن عن استنفار في المقر المحاصر لم أعرف سببه، ولكن منالواضح أنه أعلن تحسبا من ردات فعل إسرائيلية انتقامية قد تقوم بها.

في هذه الأثناء تبادلت مع اللواء إسماعيل جبر مدير الأمن العام وقائد قواتالأمن الوطني في الضفة الغربية الحديث عن ما يجرى من مجازر في جنينونابلس، كان قلقا للغاية لمصير مخيم جنين، وخاصة بعد الأنباء التي أفادتعن وجود مجزرة تنفذها قوات الاحتلال في مخيم جنين .

اليوم الثالث عشر للحصار الأربعاء 10 ـ 4

سمع المحاصرون بوقوع عملية استشهادية نفذتها كتائب عز الدين القسام علىطريق حيفا ـ القدس، وأسفرت عن مقتل عشرة جنود إسرائيليين، وتوقع المحاصرونأن تقدم قوات الاحتلال على إجراءات انتقامية ضد المحاصرين، وفعلا بعد أقلمن ساعة كانت عدد من الطائرات الحربية الإسرائيلية من نوع (أف 16) تحلقعلى ارتفاعات مختلفة فوق مقر الرئيس عرفات.

تبادر لذهني لبعض الوقت أن جنون شارون وفاشيته قد تجعله يأمر الطائراتبأطلاق صواريخها على المقر، هذا الخوف مرده دعوات من الائتلاف اليمينيالحاكم الإسرائيلي بقصف مقر الرئيس على من فيه، لم تمض ساعة بدأنا نسمعدوى أنفجارات في محيط الرئاسة، حيث كانت قوات الاحتلال تقوم بتفجير مقرالأمن العام ومبني الادارة المالية وبعد المباني الملاصقة لمقر الرئيسعرفات.

شعر الرئيس عرفات والمحاصرون بخطورة الخطوة الإسرائيلية، فعمليات التفجيرتجرى على بعد أمتار قليلة، ولذلك استنفر حرس الرئيس وقوات أمن الرئاسةالـ(17) استعدادا لأي محاولة إنزال جوية يمكن ان تقوم بها قوات الاحتلالعلى سطح المقر أو من عمليات اقتحام للبوابات الداخلية لمقر الرئيس.

وبعد ساعة من الاستنفار صعد الرئيس عرفات إلى الطابق الثالث رغم خطورةالوضع، وبدأ يتمشى في قاعة المؤتمرات، وهو متجهم الوجه ويقول على مسمعالحرس ليتفرج علينا العرب كما تفرجوا علينا في حصار بيروت عام 1982 وقاطعهأحد المقاتلين من كبار السن بقوله رؤيتك بهذه العزيمة يحينا أخ أبو عماروتبعث فينا الأمل فرد عليه بارك الله فيك.. ثم تابع سيره ليتفقد الحرس..كما شجع الوفد الأجنبي. ومن عادة الرئيس عرفات أن يحمل معه في هذه الظروفرشاشا صغيرا.

التوتر ازداد واكفهرت الأجواء مع منع وفد لجنة المفاوضات الفلسطينية منالوصول إلى مقر الرئيس عرفات، ولكن بعد تدخل عدة أطراف دولية سمح للوفدبأن يدخل للمقر وهم محمود عباس أبو مازن أمين سر اللجنة التنفيذية، وياسرعبد ربه وزير الثقافة، وصائب عريقات وزير الحكم المحلي، والعقيد محمددحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة.

وكان الأكثر طرافة في هذا اللقاء أن الرئيس عرفات ورغم حصاره وشح طعامه أعد مائدة طعام لأعضاء الوفد.

وكان أعطى الوفد تعليمات بخصوص اللقاء مع المبعوث الأميركي الجنرال زينيفي الساعة السابعة من مساء اليوم ذاته، الذي تناول الترتيبات لأعداد زيارةوزير الخارجية الأميركي كولن باول.
أجواء اللقاءات الفلسطينية ـ الأميركية، والاستعداد لزيارة باول بعثتالأمل من جديد لفك الحصار عن مقر الرئيس، وبدأت الأجتهادات المقبولةالمستندة إلى معطيات وكذلك غير المقبولة التي من الواضح ان الرغبة الذاتيةكان مصدرها تسرى بين المحاصرين مع اقتراب زيارة باول للمنطقة، لكن هذهالتأملات سرعان ما تلاشت مع التأكيد للقيادة الفلسطينية أن باول سيأتي إلىالمقر والحصار عليه مستمر.

وفي ذلك اليوم تفاجأ المحاصرون من قيام قوات الاحتلال بإخراج جثة الشابمحمود فريد بواطنة 22 عاما من داخل الثكنة (منامة الجنود) التي كانت قواتالاحتلال دمرتها في اليوم الأول للحصار. والشاب محمود يعمل طاهيا لحرسالرئيس عرفات وفقد أثاره، وظن الجميع أن جنود الاحتلال تمكنوا من أسره،إلا أنهم أعدموه بدم بارد وقاموا بتفخيخ جثته التي بقيت طوال ثلاثة عشرةيوما داخل الثكنة.

في اليوم التالي الخميس وصل الأمن الأميركي المسبق صباحا لوضع ترتيباتلزيارة وزير الخارجية الأميركي باول التي كانت مقررة غدا الجمعة، وكنتمرهقا للغاية، فلليوم الثاني على التوالي لم يغمض لى جفن، فطوال الليلةالماضية وحتى فجر اليوم كان استنفارا متواصلا، واللواء اسماعيل جبر كانيتجول ويحث الحرس لرفع جاهزيتهم.. جلست القرفصاء أنظر من حولي.. ليل دامسيعم أرجاء المكان.. وهدوء لا يقطع سكونه سوى قرقعة السلاح.. وكنت أخشى أنتعم الفوضى خلال عملية إطلاق النار داخل الغرف والقاعات، ومع ذلك كنت منبين المستنفرين، ليس لأنني أحمل بندقية، بل لا أريد أن تصيبني رصاصة أوقذيفة وأنا مستلق على الأرض.

وصل الرئيس عرفات وبدأ يتفقد التحصينات، ولم يخلو الأمر من بعض التوجيهاتللحرس ووضع المزيد من التحصينات، وفي هذه الأثناء أصر الرئيس عرفات أنيتوجه إلى بوابة السطح مما أثار قلق حراسه الشخصيين الذين حاولوا أنيشرحوا خطورة الوضع والموقف، لكنه أصر ووصل إلى بوابة السطح ليتفقدهابنفسه.

كان اليوم الجمعة 12/4 حدثا غير عاديا ومخيبا للآمال، فقد وصل وزيرالخارجية المصري لمقر الرئيس ظهرا وهو مصحوبا بعدد من دوريات الاحتلالويحمل معه بعض عصير المانجا وبعض عبوات المياه المعدنية مما أثار استياءلدى المحاصرين، ورغم ترحيب القيادة بزيارة ماهر الذي أطلع الرئيس عرفاتعلى نتائج زيارة باول للقاهرة، إلا أن هذه الزيارة في مجملها كانت تعتبرفي إطار المجاملة ليس إلا، فالوزير ماهر جاء وفقا للشروط الإسرائيلية لمقرالرئيس عرفات، ولم يقدم شيئا للمحاصرين في جنين أو المهد، ولم يحمل معهسوى رسالة تضامن من الرئيس حسني مبارك، وهذا ما عزز القناعة لدى الجميعبعمق حالة العجز العربي الرسمي عن فعل أي شئ لمساعدة الشعب الفلسطينيالذين يتعرضون لأباده جماعية.

Admin
Admin

المساهمات : 229
تاريخ التسجيل : 05/10/2010

https://sh4r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات Empty رد: مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أكتوبر 06, 2010 1:39 pm

الحلقة السادسة:

قلق وتوتر في مقر الرئيس جراء اقتراب زيارة وزير الخارجية الأميركي كولنباول ومن المطالب التي سيتقدم بها ، خاصة أنه جاء للمنطقة وهو متفهمللعمليات العسكرية التي يقوم بها شارون في الضفة الغربية ، وأنه سيناقشهذه العمليات مع شارون. والقيادة الفلسطينية في موقف لا تحسد عليه ، فرغمصمودها في وجه شارون ، إلا أن حقيقة المطالب الأميركية تنصب أساسا علىالورقة الإسرائيلية التي ما زالت تطالب الرئيس عرفات بتنفيذ كافة البنودالمتضمنة لتفاهمات تينت المتعلقة بالجوانب الأمنية ، والرئيس عرفات ما زاليخضع تحت حراب البنادق وفوهات المدافع الإسرائيلية ، ولكن الأخطر من ذلكهو الطلب الأميركي من القيادة الفلسطينية قيامها بحملة الاعتقالات وبجمعالأسلحة في غزة والقطاع. وهذا ما لا طاقة للسلطة الوطنية القيام به ضمنواقع الدمار الشامل الذي مارسته قوات الاحتلال في المدن الفلسطينية.

وتعززت هذه المخاوف للقيادة الفلسطينية عندما أجل باول زيارتة المقررةللرئيس عرفات يوم الجمعة 12/ 4 ، بسبب امتناع القيادة عن إصدار بيان أدانهللعملية الفدائية التي وقعت في القدس ونفذتها فتاه فلسطينية.

(اتصالات دولية وعربية كان في معظمها ساخنة)

وكان وصل ظهر السبت 13/ 4 إلى مقر الرئيس عرفات محمود عباس أمين سر اللجنةالتنفيذية لمنظمة التحرير ، والوزير ياسر عبد ربه ، والعقيد محمد دحلانبرفقة ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية. وعكف المسئولون الفلسطينيون معالرئيس عرفات على صياغة بيان الإدانة الذي شكل عقبة حقيقية في اللقاء بينالرئيس عرفات ووزير الخارجية باول. وبعد ساعة من الاجتماع صدر البيانوالذي جاء بصيغة (إدانة قتل المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حدسواء).

وصعد أبو مازن مباشرة إلى الطابق الثالث ليفتش عن زاوية في المطبخ ليتمكنمن الاتصال برئيس الوزراء الأردني. وما أن صدر البيان حتى انتهت أزمةاللقاء بين وزير الخارجية الأميركي كولن باول والرئيس ياسر عرفات. وعقداللقاء المنتظر ظهر يوم الأحد 14/ 4 في اليوم الثامن عشر لحصار مقرالرئيس.وصل باول المقر مصحوبا بالدبابات الإسرائيلية وسط حراسة مكثفة حيثدقق حراسه الشخصيون الممرات التي سيسير بها باول ، وكانت الدباباتالإسرائيلية قد رابطت بالقرب من بوابة الرئيس عرفات الداخلية. وسبق مجيءباول قيام جرافات الاحتلال بإزالة السيارات المدمرة. وكانت سيارتي(الأودي) من تلك السيارات وكانت لعنتي متواصلة على الاحتلال وفاشيته عندماصعدت عليها دبابة وجعلتها صفيحة رقيقة ، كما أزالت جرافات الاحتلال الضخمةأثار الدمار الذي يعترض سيارة باول من أمام بوابة المقر.

استغرق اجتماع باول مع الرئيس عرفات ثلاث ساعات متواصلة ، ورغم أنه لميرشح شيء حقيقي عن ما جرى في الاجتماع ، إلا أن نبيل أبو ردينة مستشارالرئيس عرفات أكد أن الرئيس عرفات عرض مطولا على الوزير باول ممارسات جيشالاحتلال الإسرائيلي ، وطالبه بانسحاب إسرائيلي فوري.

وفي الحقيقة أن باول لم يحمل في لقائه مع الرئيس عرفات أي أجابة إسرائيليةللجانب الفلسطيني بخصوص الانسحاب الإسرائيلي. ورغم ان باول تحدث بأنه عرضبعد الأفكار مع الرئيس عرفات والخطوات الواجب اتخاذها. وأنه تم الاتفاقعلى مواصلة المباحثات بين طاقمين أميركي وفلسطيني.

الاجتماع وصفه الفلسطينيون بالفاشل وعكس مدى التواطؤ الأميركي مع شارون في مواصلة تنفيذ مخططاته.

كنت مشدودا لمعرفة ما يجرى خلف الكواليس وتحت الطاولة وليس للمواقفالعلنية التي يصرح بها الطرفان الفلسطيني والأميركي ، وكانت صلتي لمعرفةالخبر والأجواء داخل مقر الرئاسة هي نبيل أبو ردينة الذي رافق الرئيسعرفات منذ سنوات طويلة ، تسميته الرسمية مستشارا للرئيس عرفات ، لكنالحقيقة هو أكثر من مستشار خاص بالرئيس عرفات ، فهو إذا ما جازت تسميتهبالدفتر المحتفظ والموُثق لكل الاتصالات والمباحثات التي يقوم بها الرئيسعرفات ، وبات دفتره الأزرق بخطه الأخضر يتضمن الحركة السياسية الفلسطينيةبما تشمله من تموجات. فضل أبو ردينة أن يكون محاصرا مع الرئيس عرفات بدلامن المكوث في منزله ، وفعلا وصل عند الساعة الرابعة من فجر الجمعة إلى مقرالرئيس عرفات أي قبل عملية الاقتحام بفترة وجيزة.. كان يحمل الكلاشنكوف ،وهذه المرة الأولي التي أراه فيها حاملا سلاحا.

وللمفارقة العجيبة أن الشهيد شاهر أبو شرار هو الذي أوصله من بيته إلى مقرالرئيس وكان يسابق الدبابات للوصول إلى المقر. وكان استشهد في الساعةالأولي لاقتحام قوات الاحتلال للمقر.

وكان أبو ردينة هو المسئول الفلسطيني الوحيد على المستوى السياسي الذي كانلصيقا بالرئيس عرفات قبل الحصار ، وازداد هذا الالتصاق في زمن الحصار وفياللحظات الصعبة التي عاشها الرئيس عرفات بحيث بات يشاركه غرفة نومه.

كنت دائم الحديث معه لأخذ ردود الفعل الرسمية على هذه القضية أو تلك ،ولكن في زمن الحصار لم أطلب هذه المرة تصريحا رسميا ، بل شرحا تفصيليالحقيقة الموقف الفلسطيني في ظل هذه الأزمة الطاحنة ، لأنني ببساطة عشتتفاصيل الحدث بكل دقائقه الصغيرة والكبيرة ، ومع ذلك لا يعني الأدعاءبالاطلاع المطلق لما يدور في الكواليس الضيقة من اتصالات أو سيناريوهاتمحتملة كانت تطرح داخليا أو على مختلف الأطراف الدولية بشكل غير رسمي.

وحقيقة كنت أفضل كشف هذه التفاصيل والخفايا لقارئ (الوطن) لأنها ستكونوقائع تاريخية بكل تأكيد في زمن كشف فيه عن الوجه العاري للنظام السياسيالعربي الذي وقف عاجزا عن اتخاذ موقف حقيقي يدعم فيه الرئيس عرفات فيالوقت الذي كان شارون ينفذ فيه مخططه الرامي لتدمير السلطة الفلسطينيةوحتى بإمكانية اغتيال رمز الشعب الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات.
عرضت على أبو ردينة فكرة التوسع في الحديث في أكثر من مرة ، لكنه ما أننبدأ حتى يستدعى مرة أخرى للرئيس عرفات ، ويتابع عددا من القضايا والمهام، وتأجل الحديث إلى وقت آخر.

وفي هذه الأثناء يقطع مصور الرئيس عرفات خالد جحشن المنتدب من التليفزيونالفلسطيني محاولات استمراري في متابعة ما يجرى بحيرته وارتباكه ، فهو يفتشبين الأدراج عن كاسيت للكاميرا ، لكن محاولاته كانت بلا جدوى ، فقد نفدتالأشرطة ، ولا يستطيع الآن تصوير أي حدث أو مشهد طارئ قد يقع في مقرالرئاسة أو تغطية أي لقاء وخاصة ان الزيارة الثانية لوزير الخارجيةالأميركية اقترب موعدها وهذا ما زاده توترا ، يمسك بجهاز اللاسلكي يتحدثعن حاجته للأشرطة وأهمية توفيرها في مستشفي الشيخ زايد لإحضارها مع سياراتالإسعاف أو التموين إن أمكن.

لعب خالد دورا هاما في حصار مقر الرئيس عرفات ، فقد أخرج للفضائياتالعربية والعالمية صور الرئيس عرفات الأولي من الحصار وتبعها صور اللقاءاتمع زيني وماهر وباول ، وكان الوزيران صائب عريقات وياسر عبد ربه والعقيدمحمد دحلان يخرجون الأشرطة معهم للخارج ومن ثم توزيعها على وسائل الإعلام.

(اللقاء الثاني مع باول)
لم يحمل اللقاء الثاني بين الرئيس ياسر عرفات ووزير الخارجية الأميركيباول والذي عقد صبيحة يوم الأربعاء أي أضافة جديدة للجانب الفلسطيني ،وكما قيل لم يحمل باول في جعبته أيضا أية أجوبة إسرائيلية سوى الإصرار علىمطالب شارون بوقف الرئيس الفلسطيني إطلاق النار وتسليم المطلوبين.

وفي هذا السياق وصف أبو ردينه الجهود الأميركية بالجهود الفاشلة أمام تعنتشارون ، لكن فشل مهمة باول فشل مهم باول لم ينهى المهمة الأميركية فيالمنطقة فأبقت على وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأميركي لمواصلةالاتصالات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، كما اتفق على قدوم جورجتينت رئيس وكالة المخابرات الأميركية للمنطقة.

الرئيس عرفات سخر وأمام باول من الادعاءات الإسرائيلية بأنها انسحبت من 42قرية ومن طولكرم وقلقيلية ، وأكد أن شارون يمارس عدوانه على الفلسطينيينبخلاف بيان الأطراف الدولية الأربعة التي اجتمعت في مدريد وهي (الولاياتالمتحدة ، روسيا ، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) ، وقال الرئيس عرفاتSad يطالبون مني تنفيذ قضايا وأنا ممنوع من الخروج من هذا الباب).

كانت الحكومة الإسرائيلية اتخذت خطوة هزلية بتحريك الدبابات والآلياتالثقيلة من وسط مدينتي رام الله والبيرة في اليوم الرابع والعشرين منالحصار ، واعتبره شارون انسحابا من رام الله والبيرة ، وكانت في الحقيقةقامت بإعادة انتشار تواجدها في المدينتين ، وأبقت على الطرق المؤدية إلىمقر الرئاسة مغلقة ومحاطة بالدبابات ، كما لجأت إلى عمليات تجريف واسعة فيالمنطقة المحيطة بالرئاسة وشددت من حصارها على مقر الرئيس عرفات.

وخرج المواطنون في المدينتين ليشاهدوا حجم الدمار الذي خلفته قواتالاحتلال.. فالشوارع والمباني العامة والخاصة مدمرة ، كما تم تدمير مؤسساتالسلطة الفلسطينية ومقارها الأمنية. ولم يبق داخل هذه المؤسسات أو المقارشيئا صالحا للاستعمال ، وكانت أبواب المحال التجارية قد فتحت ودمر ما فيداخلها أو تم سرقته.

إن ما جرى يؤكد على الفاشية الجديدة التي يتميز بها الجندي الإسرائيلي.

الاتصالات عبر أجهزة اللاسلكي كانت تتوارد من الخارج للمقر ، وكانت تؤكدأن ما حدث كان كارثة بكل معنى الكلمة وجريمة لا يمكن أن تغتفر.

في هذه الأثناء نشطت اتصالات اللواء إسماعيل جبر مدير الأمن العام وقائدقوات الأمن الوطني في الضفة الغربية مع ما تبقى من قواته ومن أفراد الشرطةالذين اختفوا خلال عملية الاجتياح الإسرائيلي ، وكان يطالبهم بإعادةصفوفهم لإعادة تنظيم الحياة داخل المدينتين.

أنباء الانسحاب الهزلي لم تكن هي الوحيدة في إثارة الضجة داخل المقرالمحاصر ، كان أيضا رد أعضاء وفد الحماية الشعبي الدولي للقنصل الفرنسيدينس بيتون الذي جاء صبيحة يوم الأحد طالبا من أعضاء الوفد اصطحابه إلىالخارج ضمن حماية الجيش الإسرائيلي ، وأكد بيتون أنه لا يستطيع أن يضمنللوفد ما يمكن حدوثه خلال الأيام القليلة القادمة ، وأشار إلى الضغوطالإسرائيلية التي تمارس عليه لأخراج أعضاء الوفد من مقر الرئيس عرفات.

وانتظر القنصل الفرنسي جواب الوفد المتضامن ، لكنهم فضلوا عقد اجتماع لهمليقرروا في هذه القضية المصيرية بالنسبة لهم ، وكان ردهم مفاجئا للقنصلالفرنسي بأنهم سيواصلون تضامنهم مع الرئيس عرفات وسيربطون مصيرهم مع مصيرهمهما كانت النتائج ، رغم أن ستة من أعضاء الوفد من أصل أربعين كانوايخططون للخروج من الحصار لارتباطهم بظروف شخصية وبأعمالهم ، إلا أن هؤلاءالستة رفضوا الخروج تحت حماية الحراب الإسرائيلية ، وفضلوا الخروج منالمقر مثلما دخلوه وأنهم سيتعرضون لمخاطر حقيقية.

عصر يوم الأحد 21 /4 كانت المفاجأة أكبر من رد الوفد الأجنبي ، حيث شاهدناتجمهرا كبيرا من وفود أجنبية متضامنة عند بوابة مقر الرئيس الخارجية منالجهة الغربية ، وهذا ما استدعي لأن تقوم قوات الاحتلال بالتوجه عندالبوابة الغربية ، وان يسلط جنود الاحتلال أنظارهم إلى الجهة الغربية ،وفي الأثناء تسلل عند زاوية البوابة الشرقية سبعة أعضاء من الوفد الأجنبيإلى باحة مقر الرئاسة وفتح جنود الاحتلال الرصاص فوق رؤوسهم ومع ذلكواصلوا ركضهم وتقدمهم إلى البوابة الداخلية وتمكن جنود الاحتلال من إلقاءالقبض على أحدهم وأشبعوه ركلا وضربا. وأثر ذلك قام جنود الاحتلال بوضعالمزيد من الأسلاك الشائكة لتكون بمثابة حواجز وموانع لمن يحاول التسللسواء من داخل أو خارج المقر.. واستقبل الجميع الوفد الأجنبي بالتصفيقالحاد للمغامرة البطولية التي قاموا بها للوصول إلى المحاصرين والتضامنمعهم ، وكان من حسن الطالع أن من بين الذين استطاعوا الدخول للمقر عددا منالأميركيين الذين يشكلون درعا جيدا في وجه أي حماقة شار ونية من الممكن أنيقدم عليها لاقتحام مقر الرئيس عرفات.

Admin
Admin

المساهمات : 229
تاريخ التسجيل : 05/10/2010

https://sh4r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات Empty رد: مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أكتوبر 06, 2010 1:40 pm

الحلقة السابعة:

بدأت التهديدات الإسرائيلية باقتحام مقر الرئيس عرفات تتصاعد، وأكد العميدتوفيق الطيراوى مدير المخابرات العامة في الضفة الغربية أن قوات الاحتلالعززت من تواجدها في محيط مقر الرئيس عرفات، ووضعت بعض التقنيات العسكريةالخاصة بعملية الانقضاض على المقر. وقال العميد الطيراوي الذي كان يراقبوضع تحركات قوات الاحتلال من داخل المقر، إن التصريحات الإسرائيليةالمتتالية تشير بوضوح إلى الاحتمالات المرتفعة لامكانية اقتحام مقر الرئيسعرفات.

رغم أن تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض مساء الجمعة بأنه ليس بالضرورةتسليم المتهمين بقتل الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي . والأمينالعام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعادات، والعميد فؤاد الشوبكيالمتهم بقضية سفينة الأسلحة (كارين آيه).

وأوضح المتحدث باسم البيت الأبيض أن صاحب العلاقة في قضية المتهمين هو القضاء الفلسطيني.

ورغم أن التصريحات الأميركية هذه كانت مطمئنة للقيادة الفلسطينية، إلا أنالرئيس عرفات لم يكن يركن أبدا على مجرد التصريحات رغم مؤشراتهاالإيجابية، فقد لجأ إلى المزيد من الاحتياطات عبر تواصل الاستنفار داخلالمقر خوفا من الخداع الإسرائيلي والقيام بمحاولات اقتحام متوقعة في كلدقيقة.

ما أن دخلت مقر الرئاسة في اليوم الأول للحصار حتى تفاجئت من تواجد الأمينالعام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعادات (أبو غسان) ومعه أيضاعاهد أبو غلمة المتهم بقيادة كتائب الشهيد أبو على مصطفي الجناح العسكريللجبهة الشعبية، ومجدي رحيمي المتهم بمسئولية الخلية التي قامت بقتلالوزير الإسرائيلي زئيفي، وكذلك حمدى قراعين وباسل الأسمر المتهمان بتنفيذعملية القتل.

كانت المخابرات العامة نقلتهم على عجل من السجن إلى مقر الرئيس عرفات خوفا من قتلهم أو اعتقالهم من قبل قوات الاحتلال.

الرئيس عرفات كان يصُر قبل وبعد اقتحام المقر على أن محاكمة سعاداتورفاقه، والعميد فؤاد الشوبكي هو من حق السلطة الوطنية الفلسطينية وليس منحق حكومة شارون المطالبة بهم وفق الاتفاقات المبرمة بين الجانبينالفلسطيني والإسرائيلي والتي تتيح للسلطة الفلسطينية محاكمة من يخرقالقانون.

سعادات الذي عاش حياته مطاردا أو معتقلا في سجون الاحتلال الإسرائيلية ،معروفا بصلابته وتحديه للمخاطر، اعتقلته السلطة الوطنية الفلسطينية بعدتعرضها لضغوط أميركية وإسرائيلية كبيرة، وحتى تفوت أيضا الفرصة على شارونتنفيذ مخططه العدواني على الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية.

كان يجلس سعادات على المرتبة وبجانبه عاهد أبو غلمة الذي كسرت رجلاهالاثنتين خلال عملية مطاردة ساخنة قامت بها المخابرات الفلسطينية في نابلسلاعتقاله مع حمدى وباسل اللذين لاجئا اليه لتخبئتهما في أحد المنازل فينابلس ووضعت في الجبس.

وكان حمدى قراعين (27) عاما المتهم الرئيسي بقتل الوزير الإسرائيليالمتطرف رحبعام زئيفي يدلك لعاهد أحد رجليه، فيما يغط مجدي رحيمي فيالمرتبة المجاورة في نوم عميق.

سعادات بدا حليق الذقن.. والشعر الأبيض كسا رأسه ولحيته إلا أن بريق عينيهما زال قويا ومؤثرا.. ومع كل الهدوء الذي تميز به سعادات ورفاقه فأن مايجرى من أحداث متلاحقة وخاصة محاصرة مقر الرئيس عرفات والذين هم بداخلهوامكانية اقتحامه بين لحظة وأخرى ما زالت تثير قلقهم، كيف لا وهمالمطلوبون الأشد للجزار شارون وزمرته الفاشية.

مجدي رحيمي استيقظ على دردشتنا، وعبر بكلمات بسيطة عن هذا القلق الذييعيشه بقوله (صحيح أن السلطة تعاملنا باحترام، وتوفر لنا كافة مقوماتالحياة الكريمة، ولكن في نهاية المطاف فان الأبواب تغلق علينا، ونكون داخلالسجن)، وأضاف (الآن مصيرنا مجهول أو بالأحرى هي على كف (عفريت) كما يقال،لا نعرف حتى متى سيقتحمون المقر، أو متى ستكون القذيفة التالية من نصيبي).

كان يتمني هو ورفاقه أن تطلق السلطة سراحهم قبل اقتحام مقر الرئيس أواجتياح رام الله ليتمكنوا من الاختفاء بطريقتهم الخاصة رغم صعوبة هذاالاختفاء في ظل اجتياح إسرائيلي شامل للأراضي الفلسطينية وبالتالي خطورةالمغامرة، لكن تبقي هذه أمنية ورغبة مجدي ورفاقه الذين أكدوا لشبكة فلسطينالاخبارية أنهم لن يسلموا أنفسهم أحياء لجنود الاحتلال حتى وأن تم اقتحامالمقر.

نظرت في عيون سعادات التي ما زالت تتجول في المكان بادرته بالسؤال عن صحتهوأحواله ضمن هذه الظروف الصعبة والمعقدة، فكانت اجابته المعتادة جيدةو(ماشي الحال) لكن الألم من الحال الذي وصل إليه الواقع الفلسطيني بداواضحا عليه ، تحدث أبو غسان عن التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني،وأن ما يقوم به شارون هو مخطط ما قبل قتل زئيفي، أكد على أهمية ترتيبالبيت الفلسطيني الداخلي في مواجهة الصلف والعدوان الإسرائيلي، قال لشبكةفلسطين الاخبارية من الممكن وضع هدنة لمدة ستة شهور مثلا مع قوات الاحتلاللكن شريطة ترتيب وضعنا الداخلي والتحضير لمعركة قادمة مع الاحتلال الذييواصل قمعه للشعب الفلسطيني.

سعادات الذي يحمل رؤيا سياسية مختلفة عن رؤية الرئيس الفلسطيني ياسرعرفات، إلا أنه كان معجبا بموقف الرئيس عرفات والذي قال عنه حرفيا (أنهرجل المواقف الصعبة) و(رجل اللحظة، وقائد محنك متمرس) تحدث عن السماتالشخصية للرئيس عرفات الذي وقف في وجه الإدارة الأميركية والحكومةالإسرائيلية رافضا تسليم الأمين العام للجبهة الشعبية والمتهمين في قتلزئيفي والعميد فؤاد الشوبكي.

إعجابه بعرفات كشخصية مقاومة لم يمنعه من توجيه الانتقادات لبعض القياداتالفلسطينية وخاصة الأمنية والعسكرية وبعض الرموز السياسية. الذين اتهمهمبالقصور الواضح والذي أدى إلى هذه الحالة من الحصار.

قام أبو غسان بتوديع رفاقه في الغرفة وصعد إلى الطابق الثاني حيث يتواجدالرئيس عرفات الذي كان يصُر على دعوته لمائدة الطعام دائما، لا بل كانيذهب إليه في غرفته لمشاركته الحديث في مختلف القضايا، وطبعا كان الرئيسيطلعه على تطورات الوضع أولا بأول.

عاهد الذي استلقي جيدا على مرتبته المتواضعة بعد أن انتهي حمدي من عمليةالتدليك الطويلة والتي كان يشعر خلالها عاهد بأن الدماء تسرى في عروقرجليه وخاصة أنه لا يستطيع أن يقف عليهم أو يسير. تنهد عميقا نظر إلى حمديوشكره على عمله هذا، الذي أجابه بالقول عفوا يا رفيق هذا لا شئ، طلب منىأن أنقل له صورة ما يجرى في الخارج بصفتي صحفيا، جوابي أني لا أملك الكثيرولكن الدنيا قائمة وقاعدة كما يقولون عندنا عليكم، قلت لهم مازحا (أنتمالقتلة) وقوات الاحتلال لن تدعوكم أن تخرجوا بسلام، قال عاهد بالفعلالأوضاع صعبة، ولكن ما يضايقني حقيقة هو تكرار الفضائيات العربيةللمصطلحات الإسرائيلية التي تقول وتكرر دائما (قتلة زئيفي)، قاطعنا حمديقائلا: أصبحنا في هذا الاعلام قتلة وليس مناضلين.

المحكمة

في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الخميس 25/4 أي في اليوم الثامنوالعشرين للحصار، عقدت المحكمة العسكرية الميدانية في مقر الرئيس ياسرعرفات المحاصر بتكليف من الرئيس جلستها برئاسة العميد ركن ربحي عرفات،وعضوية كل من العقيد شرطة محمد أبو صلاح، والنقيب منجد أبو غزالة، ومثلالدفاع العميد معاذ يونس (سامح)، فيما مثل الإدعاء العام النقيب سليمالمدهون. وذلك لمحاكمة المتهمين الأربعة بقضية قتل الوزير الإسرائيليرحبعام زئيفي.

المحكمة وبعد جلسات ثلاث حكمت خلالها على المتهم الأول حمدي عثمان قرعانبالسجن الفعلي لمدة (18 عاما) مع الأشغال، وهو المتهم الرئيسي في إطلاقالنار على المحروق زئيفي.
وحكمت بالسجن الفعلي لمدة (12 عاما) على باسل عبد الرحمن الأسمر، وهوالمتهم الثاني وهو المتهم بمساعدة قرعان في تنفيذ عملية القتل، أما مجديحسين رحيمي فقد حكم عليه بالسجن لمدة (8 سنوات) بتهمة قيادته للخلية التينفذت عملية القتل، فيما حكمت على عاهد أبو غملة لمدة عام واحد بتهمة إيواءمطلوبين. وصادق الرئيس عرفات على هذه الأحكام في ذات اليوم.

وكانت المحكمة العسكرية قد عقدت جلستين سابقتين لها في ظل الحصار، الأوليكانت مساء يوم الاثنين 22/4، حيث قرأ الإدعاء العام فيها لائحة اتهامالمتهمين والتي استندت إلى أقوال حمدي قرعان كما قالوا، وهي قيام حمدي قبليوم واحد من مقتل زئيفي باستئجار غرفة في فندق حياة ريجنسي في القدس، وفيالصباح وبعد عملية رصد حذرة قاموا بالدخول إلى الغرفة التي كان مقيما فيهاوأطلقوا الرصاص عليه من مسدس كاتم للصوت كان سلمها مجدي رحيمي لقرعان.

من الواضح أن الرئيس عرفات المحاصر أراد من محاكمة الأربعة بعث رسالةللأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين، بأن مطلب شارون بتسليم أعضاءالشعبية قد سقطت مع الحكم عليهم، وكانت الجلسة الأولي عقدت عقب لقاءالرئيس عرفات مع وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأميركي.
فيما عقدت جلسة النطق بالحكم أثناء لقاء الرئيس عرفات مع وزير الخارجيةاليوناني بابا أندريو والتركي إسماعيل جيم، وسلمهم الرئيس عرفات ورقةالحكم على المتهمين الأربعة.
ومع ذلك فقد رد شارون مباشرة على هذه الأحكام الصادرة بالرفض وعدمالاعتراف، وطالب مجددا بتسليمهم إلى إسرائيل إضافة إلى تسليم سعاداتوالشوبكي.

ويبدو أن البضاعة التي أراد الرئيس عرفات تسويقها للإسرائيليين ردت إليه،ولكن إمكانية تسويقها أميركيا وأوروبيا واردة سيما وأن المحكمة كانت مطلباأميركيا وأوروبيا.

كان لوقع المحكمة صدى وتأثيرا سلبيا في أوساط العديد من المحاصرين، حيثشعروا بأن الظروف غير مواتية لعقد مثل هذه المحكمة والحصار الإسرائيلييطبق على مقر الرئاسة، وفوهة المدفعية لا تبعد سوى ثلاثة أمتار عن البوابةالداخلية.

وما زاد هذه الأجواء قتامةً هو الجوع الذي بدأ يفعل فعله في الأجسادالمنهكة، فقوات الاحتلال ما زالت تمنع دخول مواد التموين إلى مقر الرئاسةلليوم الثامن على التوالي، وكان المحاصرون قد عاشوا منذ أربعة أياممتتالية على كأس صغير من الحساء والذي هو أقرب للماء منه للحساء.

البعض شعر بغضب لآلام المعدة الخاوية، وبدأوا يتصرفون بعصبية. وبدأ الحديث يسرى حول طبقية الحصار (البعض يأكل، وآخرون لا يأكلون.

كان المعنيون في مقر الرئيس يقدمون كل الإمكانات من الطعام للوفد الأجنبي،ولكنهم وبعقلية التنظيم استطاعوا أن يحافظوا على وجباتهم القليلة.

وجود بعض علب الكورنفلكس والحليب لديهم، أثار حفيظة البعض وطالبوا بتوحيد ما يقدم إن وجد، وإلغاء مظاهر كل التميز.

لا أعرف إذا كان الرئيس عرفات مطلعا على تفاصيل كيفية توزيع الوجبات وخاصةعلى أصحاب الرتب العالية أم لا. ولكن أستطيع أن أجزم أن الرئيس يرفض أيتميز في تقديم الوجبات بين المحاصرين سواء كانوا رتبا عالية أو عاديين،وكانت له تجربة على ذلك، عندما قدم له أحد المقربين ذات ليلة تفاحةليأكلها، فنال الرد فورا بالتعنيف والتقريع على هذا السلوك.

ومع ذلك فأن فوضى إدارة الطعام الذي يصل وتوزيع المسئوليات أدت لمثل هذا التمييز والطبقية في توزيعه.

عماد النحاس مدير مكتب الرئيس عرفات الذي كان يعمل بصمت شديد أربكته حالةالفوضى القائمة هذه، وأراد أكثر من مرة ان يكون التوزيع عادلا على الجميعبدون استثناء، لكنه يصطدم في كل مرة بكثير من المعوقات.

فمنذ اليوم الأول عين مجموعة من الموظفين في مكتب الرئاسة كمعاونين له فيالمستودعات، وليكونوا مسئولين عن توزيع الحصص والمخصصات حتى أن الأمراستدعى تعيين سعادة الدرسا المرافق الشخصي للدكتور رمزي خوري مدير عاممكتب الرئيس عرفات للعمل كمسئول لمستودع الطعام.

ومع ذلك فإن عملية توزيع الطعام أصابها إرباك شديد جراء نقص الكميات فيالتموين ولعدم السماح بدخول كميات كافية، إن سمحت قوات الاحتلال بدخولهأصلا.

يوم الجمعة 26/4 كان مربكا لي فقدت علبة سجائري التي حصلت عليها بعدثمانية أيام متتالية، فرحت بها وأردت أن يكون صباح هذا اليوم خاصاواستثنائيا، كيف لا وقد تغنيت بوصولها، وعلى الفور هرعت إلى غرفة الوفدالأجنبي لعمل كأس من النسكافيه الخاصة بهذه المناسبة، وسرعان ما تلاشت هذهالفرحة بعد ان تبين أني فقدتها ولم أعثر عليها، سارع زميل لي في الغرفةواسمه إبراهيم باجس بالتبرع لى ببعض السجائر بعد أن رثي لحالي فهو يعرفجيدا أنني لا أستطيع الكتابة دون السيجارة اللعينة والتي كنت أعاني منغيابها طيلة ثمانية أيام متواصلة.

حالة الكدر هذه تواصلت مع قيام قوات الاحتلال بتدمير ما تبقي من سيارات فيمقر الرئاسة والعمل منها سواتر إضافية، كما قامت بعمليات تفجير جديدة فيعدة مبان داخل مقر الرئاسة.

Admin
Admin

المساهمات : 229
تاريخ التسجيل : 05/10/2010

https://sh4r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات Empty رد: مذكرات حصار الراحل ياسر عرفات

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء أكتوبر 06, 2010 1:40 pm

الحلقة الثامنة والاخيرة

في الجمعة الخامسة للحصار وصلني نبأ استشهاد ابن عمتي رائد موسى نزال فيمدينة قلقيلية، بقذيفة (أنيرجي) ظهر اليوم عندما أعادت هذه القوات احتلالالمدينة، تمكنت والدتي من الاتصال بي عصر اليوم وتحدثت معى باكية قائلة(رشيد يسلم رأسك، ابن عمتك رائد، قتلوه.

عاش أسيرا في أقبية سجون الاحتلال لأكثر من أربعة عشرة سنة، كان صغيراعندما اعتقل في إطار حملة هدفت اعتقال مجموعات للجبهة الشعبية لتحريرفلسطين في قلقيلية ولم يتجاوز عمره ستة عشرة ربيعا، خرج قبيل انتفاضةالأقصى بقليل تزوج وأنجب ابنا وحيدا أسماه (أسير)، وعاد ليكون مطاردا بينمدن الضفة الغربية لقوات الاحتلال وأجهزتها الأمنية التي بدأت تضيق عليهالخناق مجددا. ومع ذلك استطاع رائد أن ينشأ الذراع العسكري للجبهةالعسكرية للجبهة الشعبية في منطقة قلقيلية، وأن يقض مضاجع الاحتلال فيأكثر من موقعة.

ادعت قوات الاحتلال أن الشهيد رائد كان مسئولا عن مواد متفجرة تقدر 250ضبطت في أحد منازل قلقيلية كانت في طريقها إلى إحدى البنايات التجارية فيتل أبيب وتسمى عزرائيل، وادعت إسرائيل أن العملية كانت لو نفذت شبيهبعمليات التفجير في المركز التجاري في نيويورك ، وأن حجم الخسائر البشريةالتي ستقع جراء هذه العملية بين 3000 و10000 قتيل وأن الخسائر الماديةستقدر بنحو 70 مليون دولار.

كانت قوات الاحتلال التي اجتاحت المدينة منذ فجر اليوم تقوم بعملية مطاردةواسعة النطاق للشهيد ورفاقة، من خلال مروحيات الأباتشي، وتمكنت عند ظهراليوم من تضييق الخناق عليه في منطقة صغيرة ومغلقة، إلتجأ إلى أحد المنازلوتحصن فيه، ومع ذلك أمر رفاقه بالانسحاب لأنه سيغطي أنسحابهم وأستمرتالمعركة بينه وبين قوات الاحتلال طيلة ثلث ساعة استخدمت فيها قواتالاحتلال قذائف الأنيرجا فسقط شهيدا وفاضت روحه إلى باريها.

تحدث شقيقه واصف بواسطة الهاتف الخلوى المشوش والذي أكاد أسمعه (رائد استشهد قصفوه بالقذائف أولاد الكلاب) وقطع الاتصال.

بكى قلبي المحاصر، ودمعت عيني التي تشاهد حجم مأساة شبعي.. فهذا طريد..وهذا أسير وهذا شهيد، ولم يبق منزل فيه فلسطيني إلا وأصيب بنكبات الاحتلال.

وقفت أمام نافذة الجسر المؤدى بين غرفة الرئيس وقاعة المؤتمرات، لا لشيءسوى النظر لهضاب رام الله البعيدة، ولأتنفس الهواء المتسرب من شقوق أحدثهارصاص الاحتلال، لم أقف طويلا وإذا بقنابل الصوت والغاز يطلقها جنودالاحتلال على النوافذ مما اضطرني للتراجع مع من كانوا يمارسون لعبة تنفسالهواء الطلق إلى الداخل مرة أخرى.

المحاصرون واصلوا حياتهم الصعبة، ويتأملون أن ينتهي هذا الحصار البغيض،زميلي علي صوافطة من وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) كان متكدرا نوعا مارغم أنه أظهر رباطة جأش حقيقية في الحصار، كان موعد زواجه الذي حدده معخطيبته وأهلها قد مر وهو محاصر، وكان الموعد حدد يوم الخميس الموافق 11/4،ولم يعد علي إلى أهل خطيبته المنتظرة، وكيف يعود وهو يواجه الموت في كللحظة، كان علي قد انقطع عن التدخين بتدخل من خطيبته سائدة، ولكنه عاد إلىالتدخين، لا بل أصبح شغوفا للبحث عن سيجارة ينفث فيها همومه وشوقه لخطيبتهسائدة التي تحاول دائما الاطمئنان عن خطيبها وفتى أحلامها، ولكن كانالاحتلال بدباباته ومجنزراته يقفون لأحلامها بالمرصاد. طمأنته بعض الشيءفالحديث بدأ يتسرب عن وجود اجتماعات بين الجانبين الفلسطيني واللجنةالمشتركة والتي تضم بريطانيين وأميركيين، وأن هناك انفراجا ما قد يحدث فيأي لحظة، أتحدث إليه والشك يخامرني من التوصل إلى أية نتائج ملموسة علىالأرض بخصوص فك الحصار، لا بل أن المسائل تزداد تعقيدا بالنسبة لقضيةالمهد.

كان غبره من قوات الـ(17) متضايقا لأنه بحاجة إلى حمام حقيقي حتى يزيلالأوساخ التي علقت به طوال أيام الحصار، قلت له (الرئيس لم يستحم طوالأكثر من 22 يوما متواصلا ولم يغير ملابسه التي بدا عليها الاتساخ، واضطرللذهاب إلى حمامه وتدبير بعض كميات المياه القليلة ليستحم لأن الدكتورأشرف الكردي طبيه الخاص حضر من الأردن برفقة وزير الخارجية الأردني مروانالمعشر للكشف عنه وليطمئن على وضعه الصحي، فأصبر كما صبر الرئيس عرفات).

أسماء تعلق بذهنك دائما ماجد السلمي، الياسيني، ضبع، أبو الليل، النقيبسعيد وغسان، ومحمد دعاجنة، والشرطي فايز، ونبال، وفادى، ومحمد، وأسد،وهاتى، هؤلاء وغيرهم من صناع الصمود في زمن القحط هذا، كانوا يجترعونالمعجزات، نعم كانوا حالمون بوطنهم وهم على استعداد لاجتراع المعجزات،وكيف لا وأنت ترى أحد الموظفين في مكتب الرئيس إبراهيم الأدريسي، يؤثرغيره على ذاته حتى في بعض كسرات الخبز من مخصصه، يرفض أن ينام على مرتبةوغيره بحاجة إليها.

مساء يوم الأحد 28/4 وصل إلى مقر الرئيس عرفات القنصلان الأميركي رونالدشليكر والبريطاني جيفرى آدم، علمت أنهما يحملان خطة مشتركة، ولكن لم يرشحعنها أي تفصيلات، لكنها حملت بكل تأكيد تصورات عن حل لقضية المحاكمين بقتلالوزير المتطرف زئيفي، وتضمنت هذه الخطة أن يخضع المعتقلين لأشراف أميركيـ بريطاني مشترك في أحد السجون الفلسطينية، ورشح أن يكون سجن أريحا هوالسجن المرشح.

في هذا الاجتماع اتفق على أحضار لجنة من الخبراء من الخارج لمناقشةالتفاصيل مع لجنة فلسطينية، ترأسها الوزير ياسر عبد ربه، وبعد أنتهاءالأجتماع أحضر الرئيس القنصلين البريطاني والأميركي للغرفة التي يتواجدبها المعتقلون المحاكمون بقتل زئيفي.

مساء الاثنين 29/4 كان مقررا أن يلتقي الرئيس عرفات بأعضاء اللجنة الفنية،ولكن استعيض عن هذا اللقاء، بلقاء آخر عقده معهم الوزير ياسر عبد ربه،وخالد سلام (محمد رشيد) المستشار الاقتصادي للرئيس عرفات، ودحلان.

أظهر الرئيس عرفات استياءه من الاجتماع، وأكد في محادثته مع المسئولينالفلسطينيين أنه سينسف الاتفاق مع الجانبين الأميركي والبريطاني إذا لميلتزموا بما تم الاتفاق معهم، ففي أجواء اللقاءات والاتصالات هذه كانتإسرائيل تنفذ مجزرة جديدة في الخليل حيث استشهد صباح اليوم (Cool فلسطينيين،ومنعت قوات الاحتلال من ادخال مواد التموين للمحاصرين في كميسة المهد فيبيت لحم، وفي ذات الوقت تماطل الحكومة الإسرائيلية في فك الحصار عن الرئيسعرفات.

ومن الواضح أن الرئيس عرفات لم يعجب من اطالة الوقت في عمل اللجنة المشتركة الأميركية ـ البريطانية.

كان الرئيس عرفات تلقى اتصالا من ولي العهد السعودي الأمير عبد الله أكدفيه أن الأحد سيكون الانسحاب الإسرائيلي، وأن القضية قد حسمت، ولكن جاءالأحد والاثنين والقضية لم تحسم بل أن مباحثات الجانبين الفلسطينيوالأميركي والبريطاني بدأت تدخل متاهات لم تكن موجودة أصلا. وخاصة تلكالمتعلقة بإقامة المعتقلين الستة، فقد كان نص الاتفاق الذي أصر الرئيسعرفات عليه هو أن يقيم الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات والعميدفؤاد الشوبكي كل في شقة خاصة وليس داخل السجن.

عادت اللجنة الفلسطينية صباح اليوم الثلاثاء 30/4 للاجتماع مع الخبراءالأجانب، وكان هذا الصباح بالنسبة للمحاصرين متوترين، فوسائل الاعلام تعلنعن قرب فك الحصار عن مقر الرئيس عرفات، في الوقت الذي تتواجد فيه الدباباتداخل المقر بل تقوم بعمليات وضع المتاريس والسواتر، والجميع يكذب ما يشاعفي وسائل الاعلام.

كانت اللجنة والخبراء ذهبوا إلى أريحا لتفقد السجن الذي سينقل إليهالمعتقلون من أعضاء الشعبية وسعدات والشوبكى، وعادت اللجنة في المساءلتجتمع مرة أخرى مع وفد الخبراء، والجميع بانتظارنا سيتمخض عنه هذاالاجتماع، كمن متشوقا لمعرفة ما يجرى في الاجتماع، سألت المستشار نبيل أبوردينة قال (الرئيس بانتظار اللجنة لإطلاعه على التفاصيل التي بحثت فيالاجتماع).

ومن الواضح أن إطالة أمد الحصار على المقر تأتي في إطار حملة الانتقام الشخصية التي يمارسها شارون على الرئيس عرفات.

في هذا الأنتظار لما قد يحدث تمشيت مع العميد توفيق الطيراوي الذي أكد فشلحملة شارون بأبعادها السياسية وحتى العسكرية وأن كان شارون وصل حتى بابمقر الرئيس عرفات، ورغم ارتكابه للمجازر في المناطق الفلسطينية، أرادشارون شطب الرئيس عرفات، لكن الرئيس عاد قويا أكثر من ذي قبل، وكما قالالرئيس يلمع في الأزمات.

لكن العميد الطيراوي أكد أن هذه التجربة قد طرحت حقيقة على الطاولة ضرورةاستخلاص العبر والنتائج على القيادة التي يجب ان تسارع باجراء جملة منالتغيرات التي تؤكد استخلاص العبرة مما حدث.

في الساعة الثامنة من مساء الأربعاء 1/5 كانت تقف على بوابة المقر (Coolسيارات شفرليت أميركية مصفحة، وبداخلها عدد كبير من الأمن الأميركيوالبريطاني، دخل عدد من رجال الأمن الأميركي للطابق الأول من المبنىوأخذوا معهم المعتقلين، طبع قيدوا باليدين، باستثناء سعدات والشوبكى،ورافقهم حرس الرئيس إلى أريحا، ودع المعتقلون من قبل المحاصرين، وودعهمالمعتقلون وهم يلوحون بأشارت النصر، الأمر الذي خلق عند البعض أجواء منالكآبة.

الجميع بدأ ينتظر انسحابا إسرائيليا، حيث بدأت هذه المؤشرات تتضح في ساعاتالليل، فقد رفعت قوات الاحتلال التشويش عن الهواتف الجوالة، وبدأت عدد منآلياتها ودباباتها بالخروج من المقر، كنت في هذه اللحظات أقف على الجسروبجانبي اللواء إسماعيل جبر نرصد تحركات قوات الاحتلال، سيما وأن انفجاراقويا وقع قبل قليل بالقرب منا، ومع ذلك بقينا نرقب حركة قوات الاحتلال،وفي غرفة مجاورة كان سعد اليتيم يغنى الزجل ويرقص الدبكة الشعبية وبعضالمحاصرين يلتفون حوله يشاركونه الغناء بالتصفيق وترديد أغاني الدلعونةوأبو الزلف.

أمسكت جهاز اللاسلكي اتصلت بالمصور الصحفي جمال العار وري بادرت بسؤالهأين أنت الآن، قال لأقف الآن بالقرب قصر الحمرا بعد أن لاحقتنا قواتالاحتلال عندما اقتربنا من الطريق المؤدية إلى مقر الرئاسة (طلبت منهالتقدم ولكن بحذر لأن قوات الاحتلال التي قامت بمطاردتكم شاهدتها قد خرجت،وعلق اللواء جبر بالقول عليه أن يحذر الطريق خوفا من وجود قنابل مفخخةطرقها الاحتلال، رد بقوله: سأمشى ذات الطريق التي سلكتها قوات الاحتلال،وبالفعل ما هي لحظات حتى شاهدنا مجموعة من الصحفيين تدخل مهبط الرئاسةوتتوجه إلى البوابة الداخلية لمقر الرئيس عرفات، حيينها صفق جميع من فيالمقر، توجهت مباشرة إلى مكتب الرئيس عرفات الذي كان غاضبا لأقصي درجة منخرق قوات الاحتلال لاتفاقها بأن تحل قضيتي مقر الرئيس وكنيسة المهد في وقتواحد).

خرج المحاصرون إلى باحات المقر وبدأوا في عناق بعضهم بعض، وما أن سمعأهالي المحاصرين بفك الحصار وانسحاب قوات الاحتلال حتى سارعوا بالوصول إلىالمقر.

الحرية التي كتبت من جديد للمحاصرين كانت بالنسبة حياة جديدة، ولكن معظمهمعادوا إلى المقر الذي أبقى الرئيس عرفات فيه كامل الاستعدادات والجاهزيةخوفا من هجوما إسرائيلي آخر وشيك.

وبقى الفلسطيني ينتقل من حصار إلى حصار دون تردد أو خوف أو وجل، فهو يعشق حريته ووطنه

Admin
Admin

المساهمات : 229
تاريخ التسجيل : 05/10/2010

https://sh4r.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى